محمد السعيد إدريس

حدثت في الأسابيع الماضية مجموعة من التطورات المهمة هزّت توازنات المنافسات الانتخابية الرئاسية في إيران، وأربكت حسابات وتقديرات الكتلتين الكبيرتين المتنافستين، وزادت من تعقيدات فرص المرشحين لخوض غمار هذه الانتخابات، وعلى الأخص الرئيس حسن روحاني المرشح، دون منافس ربما، لتحالف تياري الإصلاحيين والمعتدلين.

أول هذه التطورات كانت القنبلة التي فجّرها الدبلوماسي الإيراني مصطفى زهراني مدير عام الشؤون الاستراتيجية بمعهد الدراسات السياسية والدولية التابع للخارجية الإيرانية، وتتمثل في تحليل جريء نشره على صفحات الموقع الرسمي للمعهد، أي أنه يتحدث باسم وزارة الخارجية، ومن ثم فإنه يحمل بصمات وزير الخارجية محمد جواد ظريف، وربما الرئيس روحاني نفسه، وقد استهدف البوح بما هو صامت ومكبوت في صدور ملايين الإيرانيين بخصوص التورط الإيراني في الأزمة السورية الذي تحوّل، كما كتب زهراني، إلى أحد أهم مصادر تهديد الأمن القومي الإيراني، خصوصاً أن إيران تبدو عاجزة عن تحقيق أي أهداف قوية، على خلاف روسيا، فضلاً عن أنها عاجزة عن إيجاد طريق للخروج الآمن.


التطور الثاني، كان الضربة الأمريكية لقاعدة «الشعيرات» الجوية العسكرية السورية رداً على اتهامات أمريكية لنظام الأسد بارتكاب اعتداء بالأسلحة الكيميائية ضد المدنيين في بلدة «خان شيخون» بالقرب من مدينة أدلب. هذا الهجوم اعتبر تصعيدياً، بل وتهديداً أمريكياً مباشراً، ليس فقط للنظام السوري، بل ولحلفائه خاصة روسيا وإيران.

أما التطور الثالث، فكان إعلان حجة الإسلام إبراهيم رئيسي «سادن العتبة الرضوية» المسؤول الأول عن إدارة وقف الإمام علي الرضا بمدينة مشهد، «مرشحاً للجبهة الشعبية لقوى الثورة» التي تقود التحالف الأصولي - المحافظ في الانتخابات الرئاسية المقبلة في 19 مايو(أيار) المقبل. إعلان رئيسي ترشحه (8/‏4/‏2017) بعد أن كان متردداً للقبول، جاء كمتغير قوي في معادلة الانتخابات، خصوصاً أن الرجل كان مرشحاً للمنصب الكبير في إيران أي منصب المرشد الأعلى (الولي الفقيه) عندما يحين موعد إخلاء هذا المنصب، وهناك قوى كثيرة تدعمه خاصة المرشد والحرس الثوري وعدداً كبيراً من الشخصيات الثقافية والاجتماعية والدينية، الأمر الذي من شأنه أن يغير كثيراً من معادلات التنافس الانتخابي لصالح الأصوليين.

على ضوء هذه التطورات الكبرى الثلاثة، يمكننا أن نقول إن توازناً مضطرباً للقوى أخذ يفرض نفسه على مسار الحملات الانتخابية، وإن هذه الانتخابات من المرجح أن تأخذ أحد مسارات ثلاثة هي:
السيناريو الأول: أن ينجح تحالف الإصلاحيين والمعتدلين في استغلال مخاطر ما يحدث في سوريا من تهديدات مباشرة للأمن القومي الإيراني للنيل من تيار الأصوليين وحراس الثورة الداعمين لمزيد من التورط الإيراني في الأزمات الإقليمية، وتحميل كل هؤلاء مسؤولية تلك المخاطر.
السيناريو الثاني: أن يستغل الأصوليون المخاطر الخارجية لمزيد من التماسك الوطني مع قيادة وطنية مدعومة من المتشددين، وعلى رأسهم المرشد. فعندما تتفاقم المخاطر الخارجية يكون التماسك والتشدد هو الحل، وهذا سيدعم من فرص فوز الأصوليين في الانتخابات الرئاسية.

السيناريو الثالث: أن تؤدي التهديدات الخارجية الجديدة وتصاعد الضغوط المحتملة ضد إيران إلى إنجاح مساعي تحقيق «مصالحة وطنية»، باتت إيران في أمسّ الحاجة إليها بعد أن تشدد المرشد في إعلان رفضه لها على مدى السنوات الماضية، منذ «فتنة عام 2009» أو «الثورة الخضراء». لكن رفضه الحاسم لهذه الدعوة كان في فبراير الماضي، رداً على مقترح قدّمه الرئيس الأسبق محمد خاتمي ودعمه الرئيس الحالي حسن روحاني.

كان الرئيس خاتمي قد تقدّم بمبادرة إلى تحقيق «مصالحة وطنية»، محذراً من التحديات التي تواجه إيران مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومطالباً بالإفراج عن زعماء الإصلاحيين المحدد إقامتهم، خاصة مير حسين موسوي والشيخ مهدي كروبي، وكان رد المرشد علي خامنئي وقتها عصبياً وحاداً، معتبراً أن «المقترح لا معنى له» وأن «الشعب لا يصالح أصحاب الفتنة». هذا الموقف يبدو أن خامنئي تراجع عنه مؤخراً، لكن قبل الهجوم الأمريكي على سوريا، حسب ما كشف إسحق جهانكيري نائب الرئيس الإيراني الذي التقاه وتباحث معه مجدداً في أمر المصالحة الوطنية.

فقد أفصح جهانكيري عن أن الاجتماع كان «إيجابياً وجيداً»، شرح خلاله خامنئي وجهة نظره بشفافية حيال التيار الإصلاحي وشخصياته، ونقل جهانكيري عن المرشد قوله إنه يحترم هذه الشخصيات ويقدرها، مرحباً بالتواصل معها.

تطور مهم يمكن أن يكون فاتحة توافق وطني جديد لمواجهة المخاطر المتصاعدة ، وقد يقود إلى توافق على شخصية تطرح للانتخابات الرئاسية المقبلة تجمع عليها كل الأطراف.