أحمد الغز

لا أحد يستطيع التكهّن متى تأتي ساعة الصفر لتلك العملية العسكرية الكبرى في سورية، ولكن الأكيد أنّها ليست بالبعيدة، وربما تكون أشبه بعملية تحرير الكويت عام 91

يعيش المشرق العربي تداعيات حصاد أربعة عقود ونّيف من التدخل الإيراني في شؤونه الداخلية. كانت تلك العقود الأربعة، منذ عام 1978 حتى الآن، غاية في الصعوبة، وقد طالت آثارها المدمّرة حتى أطفال المشرق، إذ يعيش الآن ما يزيد على العشرين مليون عربي مشرقيّ في الخيام في بلادهم وحولها، من تركيا إلى الأردن ولبنان، وناهيك عن الذين ابتلعهم البحر، أو استطاعوا أن يبلغوا شواطئ الأمان.
الآتي أعظم على المشرق وأهله. فبعد حروب إيران عليهم في سورية والعراق، جاءتهم داعش ومصائبها، إذ يتمّ الآن التحضير لعملية عسكرية كبرى في الرقة، ربما تكون أكبر من عملية الموصل التي لم تنته حتى الآن بعد أشهر طويلة من المعارك التي يشارك فيها التحالف الدولي مع العراقيين رغم تعدّد الولاءات، والتي قد تنتهي بمأساة كبرى، بدأت ملامحها تلوح في الأفق، وهي كيف سيكون الخروج الأخير لداعش من الموصل الذي يرتهن ما تبقى من أهالي ليجعل منهم دروعاً بشرية. 
الجميع يؤكّد أنّ معركة الرقّة قادمة في الأيام القادمة، وربّما تؤخّرها بعض الأمور السياسية، إذ إن ما بعد الرقة ليس كما قبلها، كما سيكون الحال في العراق، إذ إن الأميركيّين الذين تَرَكُوا العراق وسورية هديّة لإيران لا يستطيعون تحريره من داعش، ومن ثم إعادته لهم كما فعلوا عشية الليلة الأخيرة من عام 2010، حين انسحبت أميركا من العراق تاركةً المشرق هديّة مجانية لإيران التي دمّرته بالنزاعات الأهلية، ومن ثم خسرته على يد داعش في سورية والعراق. 
الروس يعرفون أنّ سياسات الوقت الضائع لا تشبه السياسات الحقيقية عندما تقع الواقعة، لذلك دعوا إلى اجتماع لكل من وزيري خارجية إيران وسورية في موسكو يوم الخميس الماضي على إثر الزيارة الأولى لوزير الخارجية الأميركي تيلرسون إلى روسيا، والحديث عن القدرة على تجاوز الخلافات بين البلدين بعد الضربة الأميركية لسورية، والحديث العلني للرئيس الأميركي حول مصير الأسد، وأنه لا مستقبل لسورية مع وجوده في السلطة. 
يعرف الأميركي أنّه لا يستطيع أن يقضي على داعش في الرقة بدون مؤازرة عربية مباشرة، لأنّه لم يعد هناك مجتمع عربي في المشرق، فمعظم العرب المشرقيّين أصبحوا مشرّدين في الخيم والدول العربية والغربية. ذلك المشرق الذي كان لقرون طويلة حارساً للبوابة الشرقية للأمة العربية، وحاملاً أميناً للهوية العربية وعلومها وأفكارها وإبداعاتها، وحاضناً صادقاً لأقليّاتها العرقية والدينية، حيث تنعّموا بالمواقع القياديّة السياسيّة وغير السياسيّة، مما جعلهم اليوم غير قادرين على المساعدة في خلاص بلادهم بسبب تورّطهم في صناعة أزماتها وتدمير وتهجير أهلهم من أجل الحفاظ على مكاسب وهمية.
لا أحد يستطيع التكهّن متى تأتي ساعة الصفر لتلك العملية العسكرية الكبرى في سورية، ولكن الأكيد أنّها ليست بالبعيدة، وربما تكون أشبه بعملية تحرير الكويت عام 91 التي كان ما بعدها الدعوة إلى المؤتمر الدولي في مدريد لحلّ القضية الفلسطينية، إذ يتوقع العديد من المراقبين والمطّلعين أن ما بعد الرقة والقضاء على داعش ستكون الأولوية للشروع بالتحضير لمؤتمر دولي لحلّ القضية الفلسطينية وإعطاء الشعب الفلسطيني دولته التي انتظرها سبعة عقود طويلة.
السؤال الكبير الآن ما هو مصير سورية والعراق وعشرات الملايين من العرب المهجّرين في وطنهم وجواره؟ هل سيعودون إلى بيوتهم ومدنهم وقراهم؟ وأيّ عراق سيكون وأي سورية ستكون أيضاً مع ذلك الجنون الإيراني في سورية والعراق، وآخره تهديد العبادي من قبل الحشد الشعبي العراقي، وكذلك الأمر في سورية وما نسجته إيران من ميليشيات وتنظيمات فيها على حساب سكينة السوريين واستقرارهم؟ ويبقى السؤال: هل فقد المشرق عروبته؟