عزة السبيعي

في قرية عراقية اسمها الملح بالكوفة اختفى تبليط قيمته يتجاوز نصف مليار دينار عراقي، وأخذ سكان القرية يبحثون ويبحثون ليخبرهم مسؤولو البلدية بأن الساحر فلان جاء بعصاه وهمزها فانقلبت حية وأكلت التبليط،

ولم تترك منه شيئا لـ «الغلابا» سكان القرية. في الواقع الكثيرون صدقوا حادثة الساحر ومضوا يندبون حظهم، ويلعنون الساحر وأفعاه التي لا تستحي، ويتداولون أحاديث وآيات تحريم السحر ووجوب قتل الساحر، لكن بضعة شباب من القرية اعتبروا أن الأمر فيه خدعة ما، فبحثوا ليجدوا أن التبليط انتقل بقدرة قادر إلى قرية نائب في المجلس، وجد أن أهل قريته أولى بخدماته، ومنها حق قرية أخرى بالتبليط.
لكن مع كل هذه الحقائق ظل أهل القرية يصدقون أن السبب في اختفاء التبليط الساحر وأفعاه، ولابد من معاقبته لينجو النائب وفساده. 
يصرف الحرامي انتباهنا بطريقة أكثر احترافية، وحتى تتضح الصورة سأخبركم بقصة قصيرة تحدث كل يوم. 
في الحقيقة لا أعرف أعداد الطلاب المبتعثين الذين أوقف عنهم الصرف، جراء انتهاء مدة محدودة للدكتوراه هي حقيقة غير منطقية قدرها موظف الخدمة المدنية بما لا يتجاوز العامين للموظفين أو مجلس جامعة بأربع سنوات للمحاضرين، لكني أعرف أيضا طالبة دكتوراه لها ثماني سنوات تدرس دكتوراه على حساب جامعتها، والتي فتحت لها قسما هي وشقيقتها تكريما لوالدهما العظيم. حسنا أعرف أنكم تقولون «جت على هذه، هناك عائلات بكاملها تمثل فريق عمل جامعات كاملة، وذلك يتضمن الزوجة والأبناء وزوجات الأبناء وأزواج البنات حتى خشينا أن ينقلوا عفش بيوتهم للجامعة ويقفلوا الباب دوننا ويقولوا احترموا أملاك العائلات».
معكم حق، لكن ماذا لو أن والدها العظيم يتحفنا كل يوم بقصص أفلام الرعب عما يخطط له الليبراليون من انحراف مجتمعاتنا وانهيار الفضيلة فيها. هل يعرف أثر ما يفعله، بل هل يعتبره فسادا من الممكن أن يتسبب في انهيار حقيقي لمجتمعنا، نتيجة روح اللامساواة التي تقتل طموح الشباب، بل كمسلم هل يعتقد أن الرواتب التي تحصل عليها ابنتاه حلال في الوقت الذي تحرم فتيات ربما كن أجدر منهما بالوظيفة؟ هل يعرف ماذا يعني أن يقفل ملف زميل لابنته لأنه أنهى أربعة أعوام، بينما ابنته ستكمل عقدا في الدراسة؟ أم أنه لا يعتبر ذلك يؤثر في مبادئ الإسلام وقيمه والمساواة في شريعته؟ هل هي مشكلة معايير من يظن أن الشرف كما يقول مصطفى محمود محصورا في مكان العورة، وليس اليد «الوسخة» التي تصرف وتأكل وتلبس من حرام.
ذات مرة تطاول حرامي شهير على بعض القرارات في تويتر، معتبرا أنها تمس الفضيلة، هذا الحرامي لديه قضية أفلت منها. منها سرقة كتب مدرسية، والله سرق كتبا، من في هذا العالم أيها السادة يسرق كتبا مدرسية أيضا؟
إنها فوضى معايير حقيقية، هي سبب دخول مجتمعاتنا في صراعات وهمية حول أمور فكرية لا تضر أحدا، مما يصرف طاقاتنا بعيدا عن معاقبة هؤلاء اللصوص وتذكريهم بأنهم هم من لا شرف لهم، وهم فقط من يحرموننا من التقدم والتحضر.