خالد أحمد الطراح

يفسِّر البعض الخيال بأنه وهْمٌ، وأنه حالة تنتاب الإنسان الذي يميل إلى الحلم والعيش في بيئة الوهم، وهو خطأ شائع، فليست حالات الخيال التي تجتاح الإنسان كلها حالات شاذّة أو مرضية، حيث إن الخيال ممكن أن يكون مصدراً للإبداع شعراً ونثراً ورسماً وتأليفاً وإخراجاً.
الإبداع ليس له سقف ولا حدود، وترجمة الواقع لا تعني بالضرورة عكس الواقع كما هو، وإنما توزيع لمسات إبداعية أو مزيج من الخيال والحداثة، حتى يتبلور التعبير بأفضل الصور والمضمون أيضا.
الخيال أحياناً يكون خيالاً بشرياً مبنياً على أهداف محددة وغايات واضحة، وأحيانا الخيال يكون خيالا علمياSIENCE FICTION، كما هي الحال في الإنتاج السينمائي لشتى أنواع الأفلام والقصص والألعاب، خصوصا الإلكترونية منها؛ حيث يجد كل نوع وصنف له جمهور جاذب للكبار وما يهواه كذلك الصغار من مختلف الفئات العمرية.
قصص الأطفال تعتمد في كثير منها على الخيال، حين يتم رسم قالب معيّن للبطولة والقدوة، بهدف التشويق وجذب تركيز الطفل وتسخير طاقاته للتفاعل الإيجابي مع المحيط الخارجي والواقع بشكل تدريجي حتى يكتمل النضوج أو التقبّل الذهني للرسالة التي تحملها القصة، وهي عملية تستدعي جهداً مضاعفاً من المؤلف وخيالا يحاكي عفوية عقل الطفل وعالمه المليء بالأحلام والنشاط الذهني والبدني.
خرجت بفكرة مشروعية نسيج الخيال بعد الاستماع لأمسية جميلة، نجمتها الأخت الفاضلة كاملة العياد، المبدعة في عالم الثقافة والرواية وأدب الطفل وهي غنية عن التعريف في عالم ثقافة الصغار، الذي يجد كثير منا صعوبة في استيعاب ما يجول في خواطر تلك الفئة العمرية التي يمكن أن تربك الكبار بالأسئلة وطلبات نجدها ربما محيرة ومرفوضة من قبل البعض، بينما الصحيح هو مجاراة خيال الطفل وقفزاته الذهنية من أجل احتواء ما يدور في الخاطر.
روت الأستاذة كاملة حادثة في غاية الغرابة وهي تكمن في طلب لجنة الرقابة لوزارة الإعلام قبل سنوات في خضوع قصص ونوادر جحا للمراجعة والتدقيق لتفحص إذا ثمة فكرة ممنوعة، يمكن أن تتضمنها شخصية جحا أو نوادره!
أمسية أدب الطفل حرّكت أوجاعا سياسية واجتماعية وتاريخية، حيث وجدت نفسي أمام موروث يسيطر على المشهد الكويتي يتسم بالفكاهة والغرائب؛ فالموهبة لم تعد عندنا إبداعا نحتفي فيه، وإنما أصبح لدينا موهبة العبث بالمصائر والتخريب بدلا من موهبة القيادة والقرار الحكيم، فمعظم الأحداث التي تشكّل مصدرا للتراجع مصدرها مواهب لكبار بعقول ذات فكر محدود، لكنها بعيون آخرين منقذين وأصحاب أداء مميز اقتصاديا وسياسيا!
أتوقع أن يصاب «غوغل» بالضجر من ما نشهده من تناقض وتضارب في القرارات حتى الشبكة العنكبوتية قد ترفض ما يجري عندنا، حتى لو كان من نسيج الخيال، فقد سجلنا رقما قياسيا في الكوميديا السوداء بشكل مختلف تماما عن واقع جحا!
الأستاذة كاملة تستحق منصبا قياديا بمستوى وزير الثقافة حتى نعالج ما لحق بنا من تشويه للثقافة والتاريخ، وهو أقل ما يمكن أن يقدم لشخصية لها إسهامات تاريخية حتى خلال فترة الغزو حبا في صغار وكبار الكويت.
حتى نوادر جحا لم تسلم من رقابة وزارة الإعلام، في حين تدعي الحكومة دعم الإبداع، لا سيما عند الشباب!