بالنسبة للعديد من قادة العالم، فإن زعامة أميركا شيء أساسي لا يمكن الاستغناء عنه، وإنْ لم يكن بالضرورة دائماً محل إعجاب! 

هاورد لافرانشي 

دونالد ترامب، المرشح الرئاسي، كان سيتخلى عن سبعة عقود من الزعامة الأميركية والانخراط الإمبريالي مع العالم عبر الانكفاء على الذات وتطبيق سياسة «أميركا أولاً». غير أن ترامب، الرئيس، يبدو أنه بدأ يكتشف أن العالم غير مستعد لأميركا منعزلة ومنسحبة من العالم. وبالفعل، فالتحول السريع للرئاسة الأميركية الجديدة التي كانت توصف بالشعبوية إلى تبني دور عالمي نشط، وتقليدي أكثر، يؤشر إلى أن العالم يتوق إلى الزعامة المرسية للاستقرار والمحافظة على النظام التي وفرتها الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية -على رغم عيوبها في بعض الأحيان.

والواقع أن الزعامة الأميركية، بالنسبة لكثير من قادة العالم، مهمة وأساسية ليس من أجل ضمان النظام والاستقرار فحسب، ولكن أيضاً من أجل الدفاع عن القيم المشتركة. وحسب ديفيد ميليباند، وزير الخارجية البريطاني السابق، فإن جذور كثير من طموحات العالم منذ الحرب العالمية الثانية -الحكم الديمقراطي، وحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالمياً، والمساواة في الازدهار والتطور- إنما تعود إلى نظام دولي اجترحه الغرب وقادته الولايات المتحدة. ولكنه نظام من القيم سيَضعف ويتضرر كثيراً جراء انعزال داعمته الرئيسية.

وفي 2011، استخدم باراك أوباما تدخل الغرب في ليبيا في 2011 لاختبار فكرة «القيادة من الخلف». وفي المقابل، فإن أميركا ترامب لم تكن ستضطلع بدور القيادة، وإنما ستهتم أولًا بشؤونها ومصالحها وستنسحب من لعب دور عالمي لم تعد تتحمل تكلفته. ولكن على غرار المراهق الذي يحتج على بدلته الأولى ثم يتكيف معها -بل ربما يحبها سراً- أخذ ترامب يتراجع عن تصريحات ووعود ميزت حملته الانتخابية، من قبيل أن العالم يستغل أميركا عبر تحالفات أمنية مكلفة، واتفاقيات تجارية لا تصب في مصلحتها!

وقد شهدت الأسابيع الأخيرة العديد من الدلائل والمؤشرات على تكيف ترامب مع الدور الذي يتوقعه العالم من أميركا. فخلال لقائه مع أمين عام «الناتو» ينس ستولتنبرج في البيت الأبيض، الأربعاء الماضي، قال الرئيس الأميركي، الذي كان قد وصف «الناتو» حين كان مرشحا رئاسياً باعتباره حلفاً «عفا عليه الزمن»، بأنه لم يعد كذلك، لأنه تكيف مع الزمن وتطور لمواجهة تحدي الإرهاب. وبدلاً من التقليل من أهمية الحلف، راح ترامب يشيد به باعتباره «حماية للسلام والأمن الدوليين». كما أن ترامب لم يعد أيضاً يثير قلق اليابان وكوريا الجنوبية عبر التلميح إلى أنه ربما يجدر بهما الحصول على أسلحة نووية خاصة بهما، بدلاً من الاعتماد على المظلة النووية الأميركية. فها هو اليوم يقول لهما إن دفاع أميركا عن البلدين في وجه كوريا الشمالية قوي ولا يتزعزع.

غير أن سوريا تظل المثال الأبرز لتغير موقف ترامب الفجائي من الانعزالية إلى الانخراط في شؤون العالم، وممارسة دور أميركا التقليدي في الدفاع عن الأمن والمعايير الدولية. فالرجل الذي عبّر ذات يوم عن معارضته لتدخل أميركا في سوريا بدا أنه قد تغير الآن تغيراً جذرياً عندما أعلن قراره شن ضربات صاروخية على القاعدة الجوية السورية التي يقول البنتاجون إنها قد استُعملت من قبل النظام السوري لتنفيذ هجوم كيماوي في منطقة إدلب التي يسطير عليها الثوار. وفي هذا السياق قال ترامب: «إنني أدعو كل الدول المتحضرة للانضمام إلينا لإنهاء أعمال القتل وإراقة الدماء في سوريا»، مضيفاً «طالما أن أميركا تقف للدفاع عن العدالة، فإن السلام والانسجام سينتصران». وقبل ذلك بيوم في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض تطرق فيه للهجوم الكيماوي قال ترامب: «الآن لدي مسؤولية» عن سوريا.

وكان ذلك من نوع التصريحات التي اعتاد العالم على سماعها من الرؤساء الأميركيين خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وإنْ بشكل أقل من باراك أوباما. وبالفعل، فإن معظم الزعماء الغربيين سارعوا إلى عرض دعمهم القوي للضربات الصاروخية التي أمر بها ترامب. ذلك أنه بالنسبة للعديد من قادة العالم، فإن زعامة أميركا شيء أساسي لا يمكن الاستغناء عنه، وإنْ لم يكن بالضرورة دائماً محل إعجاب، وهو ما يفسر القلق الذي انتاب العالم عندما فاز رئيس انعزالي في الانتخابات الأميركية.

* محلل سياسي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»