محمد خروب

فيما يغرق اليمن بدماء ابنائه,ويذهب شعبه ضحية المجاعة والاوبئة وفقدان اسباب الحياة، وفيما تتواصل الحرب على سوريا وفيها, حاصدة الارواح وناشرة الخراب والموت في انحائها، وفيما تكبر الاسئلة حول مستقبل العراق,

الذي ما ان بدأ معركة تحرير الموصل واحرز تقدما واضحا في دحر داعش وحصارها وقطعِ طرق الإمداد او الحرب عنها، تمّ «اشهار» ازمة اخرى في سلسلة الازمات المتناسلة التي تعصف به, والتي تمثلت مؤخرا في تأكيد التحالف الكردي الذي يدير اقليم كردستان, أنّه في صدد إجراء استفتاء على الاستقلال»الكامل» في الخريف المقبل, وليس فقط تفعيل المادة «140» من الدستور العراقي, في شأن مستقبل مدينة كركوك التي تُصنّف هي الاخرى ضمن مُصطلح المناطق «المُتنازَع عليها» بعد ان رفض مجلس المحافظة قرار البرلمان العراقي, «إنزال» علم كردستان عن المباني والمرافق الحكومية في المدينة، ما اشعل جدالات وتجاذبات عنيفة, يسعى كل اطراف المشهد العراقي الى تجميع ما لديهم من اوراق وتحالفات اقليمية وخارجية, كي يوظِّفوها معركة جديدة, نحسب انها لن تكون كباقي المعارك السابقة التي شهدها العراق منذ احتلاله في العام 2003 وقدوم معظم الطبقة الحاكمة الآن على ظهور الدبابات الاميركية والبريطانية، رغم ما حدث من تغييرات في موازين القوى الداخلية وتراجع نفوذ شخصيات وأحزاب ومكونات سياسية.. لصالح اخرى، لكن ادوار اللاعبين الاقليميين (لا تنسى اميركا دائما) ما تزال نافِذة ومُؤثِّرة وإن بنسب متفاوتة وليست ثابتة، بمعنى انها خاضعة لنتائج ما يحدث على الارض.,وبخاصة في ما يتعلق بالحرب على داعش او التصدي للمحاولات التركِّية الرامية الى ايجاد مقعد لإنقرة على «طاولة» عراق ما بعد التخلُّص من داعش وغيرها, مما يمكن وصفها بأنها اللعبة الجيوسياسية التي لم تنته في المنطقة, بعد ان دخلت اميركا ترامب على خط «الأزمتين» العراقية وخصوصا السورية, وبدأت ملامح استراتيجيتها الجديدة في البروز والتشكّل, وإن على نحو ما يزال يكتنفه الغموض المقصود,يهدِف الى مفاجأة الأعداء وإرباك الخصوم ورصد ردود افعالهم ومدى تقبُّلِهم (او رفضِهم)لهذه الاستراتيجية.

نقول: في خضم ذلك كله,تبدو ليبيا وشعبها متروكان لمصيرهما، بعد ان فشلت كل محاولات مُصالحة (او جمْع) رجل الشرق الليبي القوي «المشير» خليفة حفتر,الذي تتسم خطواته وقراراته وافعاله بالتناقض والإلتباس,مع رئيس ما يسمى بحكومة الوفاق الوطني فايز السراج، الذي يدّعي لنفسه «التاج» ويُردّد على الدوام، ولكن في شكل يائس وكاريكاتوري, انه يتمتع بالاعتراف والشرعية الدولية، وانه تِبعا لِشرعيته المُدّعاة,دعا مؤخراً (المجتمع الدولي) للتدخل «العاجل» لوقف التصعيد العسكري في جنوب ليبيا، محذراً سيادته من «حرب اهلية».. وكأن ما يجري الان منذ سنوات فوق الاراضي الليبية وداخل مدنها وصحاريها وهلالها النفطي, لا يندرج تحت هذا الوصف، فيما صمت السراج(وغيره من أمراء الحرب في ليبيا) عندما كشفت صحيفة «الغارديان» البريطانية الاسبوع الماضي عن «خطة» لمسؤول اميركي «كبير» في السياسة الخارجية في البيت الابيض, تتحدث عن تقسيم ليبيا الى ثلاث مناطق حسب «المقاطعات العثمانية» القديمة، وهي برقة في الشرق وطرابس في الشمال الغربي وفزّان في الجنوب الغربي». وبصرف النظر عما اذا كانت هذه «الخطة» ستُوضع في «التنفيذ» او يتم تبنيها لاحقا لتُفرَض على الليبيين بالقوة او بالتآمر, ام ستقوم ادارة ترامب التي لا تبدي حتى الان اهتماما جديا بما يجري في ليبيا,بتوظيف الاقتراح كي تدفع به لاعتماد الخطة في قرار لمجلس الامن (نحسب انه لن يمر في ظل الظروف الدولية الراهنة), فان اللافت هنا هو صمت العرب «اجمعين» وبخاصة جامعتهم العربية, التي يتكرس صمتها كما هي حال تمثال «ابو الهول» في صمته الابدي، رغم ان الجامعة ذاتها ولكن في عهد الكلامنجي الكبير عمرو موسى، هي التي «شرّعَنت» الغزو «الاطلسي» لليبيا, عبر طلبها «رسمياً» من مجلس الامن «إنقاذ» الشعب الليبي في بنغازي من المجزرة المزعومة التي كان يُحضرها القذافي, ولمّا تحقق ذلك بصدور القرارين 1970 و1973،قام الأطالسة بـِ»رَكلِ» العرب وجامعتهم, واخذوا ليبيا وشعبها الى الفوضى والإقتتال وخِطط التقسيم الجاهزة لليبيا,كما سوريا واليمن والعراق ودُول عربية أخرى, لم يحِن موعد إشعال الحروب الأهلية فيها...بعد.

قد يكون الاخ العقيد قائد ثورة الفاتح، قد فشل في تحقيق حلمه بتوحيد بلاد العرب، كما انه لم يحرز نجاحا يُذكر في توجّهه الإفريقي, اللهم الا عندما خلع على نفسه لقب «ملك ملوك افريقيا»، الا ان «حُلمه» لم يتبدّد, وها هم احفاد المستعمِرين الأميركيين الجُدد الذين اباد اجدادهم سكانها الاصليين, يستعدون لتحقيق هذه الامنية التي داعبت خيال «الروائي» معمر القذافي، عبر اقامة الولايات المتحدة الليبية. وحتى يتجسّد ذلك, لا بد اولا من تقسيمها لثلاث ولايات وتحديد اركان سلطاتها واسماء اعيانها, ثم (وهذا سيتم بالتآمر حتى وإن كان مكشوفا) تندلع بين الولايات الثلاث... الحروب,الى ان «يتوافقوا» بوساطة الغزاة انفسهم, كي يُعلِنوا إقامة دولة «الولايات المتحدة الليبية»، ويبشِّروا باقي العرب, بأن الباب مفتوح امامهم للانضمام الى هذه الدولة «الفيدرالية الوليدة» الرامية الى يتحقق الحلم العربي (هذه المرّة) بالوحدة ولكن ليس بالاندماج الكامل بل في اطار الفيدرالية المُسمّاة «الولايات المتحدة العربية», التي ستضُم في جنباتها اكثر من (50) ولاية, كون كل دولة عربية قائمة الآن,ستكون مرشّحة للتقسيم والتشظّي, وصولا الى «فيدرالية عربية» على غرار النموذج الاميركي.

وأمجاد يا عرب... أمجاد.