مساعد العصيمي

يبدو أن ارتقاء مفكر سعودي وتمكنه من طرح شيء مختلف، يثير الحساسية لدى كثيرين، عربيا ومحليا، ونحسب أن من هم في الشأن المحلي أشد وطأة، وأكثر ميلاً لهدم أي فكر تنويري لا يتسق مع مبادئهم، ولا يبدي الولاء والانقياد لهم.

ولأن المفكر التنويري السعودي إبراهيم البليهي قد طرح أفكاراً جريئة لم ترتبط بأي أيدولوجية، ولم تنسقْ للتعزيز لتوجه تقليدي محلي فحواها الدعوة الى التغيير والارتقاء بالفكر العربي الاسلامي بصفة عامة، والسعودي بصفة خاصة، فإنه أصبح هدفاً متاحاً، فالبليهي الذي أصبحت مقولاته وكتبه مرجعاً لكيفية الارتقاء والتطوير مع المحافظة على العقيدة، هو واحد من كثيرين تم العمل على وأد مشروعاتهم.. ليس إلا أنهم ينتمون لنا.. من فرط استصغار وتعالٍ عليهم، وحتى غيرة أو حسد.

فالبليهي الذي ما انفك يقدم أنموذجا للحضارة والتوجه المدني اللذين نحتاجهما لارتقاء بلداننا.. عانى من سيل المناوئين الذين لم يتركوه في شأنه بل ألّبوا عليه، وهاجموه، وطالبوا بمنعه عن إلقاء المحاضرات والندوات، رغم إدراكهم أنه من فئة متزنة.. فلم يشتم أحداً، أو يقلل من آخر.. أو ينتقص من رأي.. وأحسب أن اتزانه هذا لم يرق لليبراليين، الذين يحاسبونه على اهتمامه بسيد قطب خلال مراحله العمرية الأولى، ولم يعجب المتدينين الذين يرون في التغيير الفكري الذي ينشده تهديدا لسيطرتهم، لذا كان البليهي الوحيد الذي اتفق عليه الليبراليون والمتدينون، دون أن يدركا ذلك.. وسط شتائمهما المتبادلة كل باتجاه الآخر.

ذنبه أنه لم يفتأ يطرح سؤالاً قائماً على المجتمع فحواه، لماذا تخلف العرب وكثير من المسلمين؟ ويناديهم بالحجة والدليل كي يرتقوا بفكرهم ليكونوا منتجين فاعلين، كما الحضارة الغربية الآن؟ ويقرأ الأمر من منظور فكري رزين، ويرى أن تنمية رفض الآخر، وما يصدر عنه كما هو حال مجتمعنا مع الغرب هو السبب الأول؟ رغم أن بإمكاننا الاستفادة من علم الغرب وثقافته، لأجل الارتقاء بفكرنا ومجتمعاتنا. هذا الأمر أغضب المتدينين الذين يرون في الغرب عيباً أخلاقياً يطمس كل ما يصدر عنهم ويرفضه، لذا على البليهي أن يتوب عن دعوته وأن يعرض عن هذا؟!

وفي المقابل، فالبليهي الذي يتمسك بعقيدته الإسلامية وينافح عنها، ينادي أن نجعل من الدين واسع المدارك بحيث لا نتخلى عن التزاماتنا، ومبادئنا، حتى لو أخذنا بما لدى الغرب من أفكار تقنية وصناعية.. هو ما جعل الليبراليين يتخيلون أنه امتداد للفكر الإسلامي والحاكمية كما كان قطب والإخوان.

هنا لم يكن البليهي محل ضياع بين الفريقين، بل إن الضائع هو من لم يستوعب فكره الوسطي التنويري، ومناداته بالرقي والاستفادة من الغرب، يريدون من البليهي أن يكون متوافقا حد الاستسلام مع ما يطرحونه.. وحسبي أن هذا من أهم أسباب العلة في مجتمعنا بحيث إن المسيطرين عليه فكرياً من كلا الجانبين لا يفرز الآخر إلا على مقاسه هو ووفق ما يريده، وإن اختلف ولو قليلا فهو مرفوض؟! ولا بأس إن تم التأليب عليه، والعمل على إزعاجه، وطرده ليس في المراكز التي يسيطر عليها المتدينون فقط، بل في معاقل الليبرالية من معاهد وجامعات.

البليهي يقرأ أسباب الهزيمة الفكرية التي نعيشها، ويتمنى أن يُرد عليه وفق إطار تساؤلاته.. وليس حسب المقاس الذي يريده مناوئوه لأفكاره وتوافقها معهم، فالفكر الذي يطرحه يحتاج إلى مراجعة شاملة تعتمد على أسس منطقية، من حيث ملاءمتها للمجتمع وإمكانية تطبيقها، ولا بأس إن أخذ من الخبرة الإسلامية، وتبنى بعض الأفكار المنفتحة التي تساعد على الارتقاء ولا تسيء للمعتقد.

الأهم في القول أن المفكر إبراهيم البليهي يبحث عن جعل الفكر في خدمة الإنسان العربي المسلم.. في ظل مجتمع تحكمه الكثير من توجهات منقسمة فيما بينها هدفها الرئيس وغايتها الكبرى جعل الإنسان في خدمة فكرهم؟!