نانيس عبد الرازق فهمى

عرفت المنطقة العربية ظهورا قويا لتنظيمات ارهابية خلال السنوات الماضية، واتسع نطاق وجودها وتأثيرها لتجاوز حدود الدولة الواحدة ولتمتد إلى بقية الاقليم العربى أو أجزاء غير قليلة منه، وتعددت حالات وتنظيمات وجماعات الارهاب فى المنطقة العربية، مثل تنظيم داعش وهو أحد أخطر التنظيمات الارهابية التى نشأت وتحركت فى المنطقة العربية، مع صعود الفواعل المسلحة من غير الدول وتشمل الميليشيات المسلحة والجيوش المناطقية والجماعات الدينية والتنظيمات الارهابية، كما أن هناك تنظيمات إرهابية دولية أخرى أقدم مثل تنظيم القاعدة، بالاضافة إلى أن عددا من دول المنطقة العربية وعلى رأسها مصر والسعودية والامارات تعتبر جماعة الاخوان أيضا من جماعات الإرهاب الدولى الخطيرة.

وهذا العدد الكبير لجماعات الإرهاب وتنظيماته يوجد على أرض نحو تسع دول عربية على الأقل مع اتساع نطاق خريطة عملياته والأهداف التى يسعى لتحقيقها وآليات الاستقطاب التى يتبعها والتكتيكات القتالية حتى وصلت عملياته وأتباعه للقارة الأوروبية والأمريكية. أى أن هناك انتشارا عالميا لتلك التنظيمات الإرهابية.

ومع ازدياد خطر الإرهاب وتنظيماته وما يستتبعه من آثار ونتائج تأتى على الأخضر واليابس وتمس أمن وحياة المواطن العربى يوميا، لم يتسن للدول العربية التى تملك تنظيما اقليميا منذ أكثر من سبعين عاما أن تشعر بالخطر الداهم وتتفق أو تتوافق على نحو فعال على أولوية محاربة الارهاب الذى أصبح يهدد بقاء ووجود الاقليم العربى بكامله، وهل بعد تهديد الوجود شئ؟!

استمر الخلاف والاختلاف العربى واستمرت سياسة التكتل والتبعية بين الدول العربية لاسيما فى جامعة الدول العربية، وهو ما ظهر فى القمة العربية الأخيرة فى عمان فى مارس 2017، حيث كانت بمثابة قمة التحفظات على القرارات الخاصة بأهم الأزمات التى تواجه الوطن العربى لاسيما الأزمة السورية، التى باتت مجالا لتصفية الحسابات وبسط النفوذ والسيطرة، دونما اعتبار لكونها أزمة مفصلية فى الجسد العربي، بل اختلفوا حتى فى طريقة حل الأزمة، وشاركت بعض الدول العربية فى التحالف الدولى بقيادة الولايات المتحدة الذى بدأت عملياته العسكرية فوق سوريا فى 23 سبتمبر 2014، ورغم اقترابه من إكمال عامه الثالث فإنه لم يحقق نتيجة مرجوة، وذلك رغم صدور قرار الجامعة العربية منذ 2015 بإنشاء قوة عربية مشتركة تطبيقا لاتفاقية الدفاع العربى المشترك، إلا أن بعض الدول العربية تحفظت على هذا القرار المهم ولم يتم التنفيذ حتى الآن. ومن نفس المنطلق، سارعت بعض الدول العربية بتأييد الضربة الأمريكية لمطار الشعيرات السوري، فى مشهد أقل ما يقال عنه انه يدحض التأكيدات والقرارات العربية حول ضرورة العمل العربى المشترك.

الوطن العربى بدوله الرئيسية يعانى من ضغط الإرهاب وتنظيماته مع تورط دول إقليمية وغير إقليمية فى نشوب هذه الموجة الشديدة من الإرهاب التى لا تفرق بين دين أو جنس أو عرق أو طائفة، فالكل مستهدف وسواسية أمام ضربات الإرهاب، ولن يفلح ظن بعض الدول الداعمة للإرهاب سواء كان ماديا أو لوجيستيا، أنها بعيدة وأنها فى مإ من عنه، فمن يشعل النيران لابد أن تمسه.

وما يزيد من خطورة وجود وزيادة أعداد التنظيمات الإرهابية احتمالية أنها قد تعمل فى اتجاه امتلاك »قدرات تدمير شامل«، ومن بينها قدرات نووية وكيميائية، فى ظل أوضاع دولية تتيح لها ذلك، كما إن احتمالات الاستخدام الفعلى لهذا النوع من الأسلحة فى هجمات إرهابية قد أصبحت متصورة أكثر من ذى قبل، مثلما أثير عن الهجوم باستخدام أسلحة كيميائية على مواقع فى سوريا. فقد أدت التطورات الخاصة باحتمالات الامتلاك واحتمالات الاستخدام إلى بلورة مشكلة جادة تضاف إلى الأزمات الخطيرة التى يعانى منها الوطن العربي.

وبذلك يتضح يوما بعد يوم ما يواجهه اقليم الشرق الأوسط على إجماله من خريطة تهديدات ملحة ذات طبيعة استراتيجية الآن وفى المستقبل القريب، ولا يمكن لأى دولة أن تواجه هذه التحديات بمفردها وعلى رأسها الإرهاب الدولي، والمرحلة التى نعيشها اليوم هى الأخطر فى تاريخ حركة الإرهاب فى المنطقة العربية، مما يستوجب تحرك النظام الاقليمى العربى تحركا شاملا من خلال خطة عمل محددة بجدول زمنى قابلة للتنفيذ. يتفق فيها على الأولويات وتحدد مفهوما للأمن الذى يراعى الادراكات المختلفة لكل الأطراف العربية لهذا لمفهوم، بهدف الوصول إلى إعلان مبادئ يحقق توافقا بين كل الاطراف ويؤسس لنظام أمن إقليمى ويضع استراتيجية عربية موحدة ومعمولا بها لكل قضايا المنطقة.