علي سعد الموسى

أجبته فوراً بنعم، على سؤاله المؤسف جداً في العنوان بعاليه، هم موجودون ويتكاثرون ويتزايدون، وأكثر من هذا تتحدث بعض الدراسات عن أنهم من أعلى الأرقام في النمو النسبي، وإن كنت شخصياً لا أثق في أهداف هذه الدراسات والنسب والإحصاءات،

وما من شعب أو مجتمع على وجه هذه الأرض إلا ويزخر بشتى كل هذا الطيف الهائل من كل اعتقاد وملة ونحلة، هي ذات نواميس الخالق عز وجل في علاه، وأنا وأنت نقرأ هذا التباين بالبراهين في محكم آياته وكريم قوله، قال لي وقد أخذته الصدمة الكبرى من جوابي وبعد نقاش متفرع طويل: وهل وصل هؤلاء إلى الإلحاد بسبب القراءة الطويلة والعمق في العلم بأكثر مما ينبغي؟ أجبته فوراً، بل على العكس أعتقد أنهم وصلوا إلى هذا الضياع والتوهان بسبب [نصف] القراءة ونصف العلم. وصل المفكر والعالم الإسلامي الشهير إلى ضلالات الإلحاد بعد سنين من القراءة، ولكنه وصل ذروة الإيمان واليقين بعد أن واصل ذات القراءات فيما بعد لسنين أطول وأعمق وأبعد، لا شيء أخطر على الإنسان والذات البشرية من نصف المشوار ونصف العلم ونصف القراءة، اخترع نوبل مكملات ومجسمات الديناميت الكيميائية فاستخدمها البشر لأول مرة في الحروب والتفجير والدمار والقتل، واصل العلماء من بعده أبحاث الديناميت وطوعوه لحفر آلاف وملايين الآبار من أجل ماء الحياة، شقوا به الأنفاق والطرق وللمفارقة والدهشة يطفئون به اليوم حرائق آبار النفط بالتفجير في ظرف ثانية.
ومضى بنا الحوار الطويل: مشكلة العقل الهجين غير الناضج أنه يلجأ للتبرير البسيط الساذج في تفسير ظواهر الانحراف والتطرف إلى اليمين أو اليسار، خذ مثلاً من يقول إن كتائب الإرهاب ردة فعل غرائزية طبيعية لما يفعله بنو علمان وليبرال، هؤلاء يتحدثون عن تفسير السلوك البشري وكأننا في غابة [سفاري] بردة الحيوان لفعل حيوان، ومثلهم على النقيض من يقول إن فئام هذا الانحلال إنما وصلوا لبوهيمية الإلحاد كردة فعل على صناعة مقاسات من الدين المتطرف لا يستطيع مجتمع اليوم والعصر أن يعيشه ويلبسه، هذا تضليل للتفسير والتأويل حينما نواجه الصدمة أن بيننا ملحدين. لم يجبر هذا المجتمع أحداً على أن يعيش في الجلباب الضيق الذي يريد، لم يأت لحياتي فرد ليأخذني بالإكراه كي أكون قاعدياً أو داعشياً أو سرورياً أو إخوانياً أو حتى ليبرالياً أو علمانياً أو أي صنف فيما فوق كل هذا أو دونه، حتى الإلحادي الذي يعيش بيننا وفي عوالمنا يعيش إلحاده المفضل المستقل وبكل الحرية، وهذه هي الحقيقة التي لا يصح معها إنكار، فلماذا نرمي باللوم على هذه الضلالات المتراكمة على عالم دين أو على منظومة دينية؟ نشأة الأفكار وانتشارها شيء أبعد وأعمق من ضلالات العقل وتأويله، ولله في خلقه ألف شأن وحكمة.