محمد خلفان الصوافي

صارت مسألة خوض مجالات علمية - يعتقد البعض أنها حكر على الدول التي تصنف بالكبرى- أحد العناوين والخطط التنموية في دولة الإمارات خلال الفترة الحالية. آخر تلك العناوين كانت الأسبوع الماضي، حيث تم الإعلان عن «البرنامج الوطني للفضاء»، فيما يعني دخول دولة الإمارات عصر التحولات الكبرى.

أميل إلى تأكيدات القيادة السياسية الإماراتية التي تؤمن أنه لا مستحيل بوجود «الإرادة»، وأضيف من عندي أن الإرادة توجد حيث توجد القيادة التي تؤمن بقدرات أبنائها وتعمل على تحفيزهم، لأن الإنسان في أي مكان في العالم ليس بأقل من باقي شعوب العالم المتقدم إلا في وجود بيئة مشجعة على الإبداع والإنتاج، والأمثلة على ذلك كثيرة في دول مثل كوريا الجنوبية وماليزيا.

وبقدر ما تمثل دولة الإمارات ومشاريعها السلمية الكبرى مثل، البرنامج النووي، وإطلاق أول صاروخ فضائي، وبناء قرية في المريخ الأحمر عام 2117، وإعادة إحياء الحضارة الإسلامية الإنسانية، أملاً للشعوب العربية والإسلامية التي يترسخ في أذهانها «وهمٌ» بأن الإنساني الغربي أفضل مهارة وقدرات ذهنية، فإن إحدى الإيجابيات غير المباشرة لتلك المشاريع أنها تعمل على إثارة دول المنطقة وتعمل على تحفيز قياداتها في التفكير بمجالات التنمية الحقيقية بما يخدم شعوبها والبشرية في العالم.

وإذا نظرنا إلى إعلان البرنامج الوطني للفضاء بأنه البداية الحقيقية للاستثمار في المجال الفضائي وتغير الكثير من الصور النمطية عن العرب والمسلمين، فإن خوض هذا المجال يعني لدى المراقبين أنه منهج تفكير خارج الأطر التقليدية في مجال إيجاد الحلول للتحديات التي بات يواجهها العالم بقوة مثل: نهاية عهد الوظيفة بعدما سيطرت التكنولوجيا على العديد من الوظائف التقليدية، باعتبار أن البطالة أحد «المتهمين» الرئيسيين في إيجاد بيئة مناسبة لنمو الإرهاب وتجنيد المتطرفين، وكذلك زيادة أعداد المهاجرين وانتشار الحروب ونقص الموارد الطبيعية.

استشراف المستقبل والتخطيط له إلى مدى مائة عام مقبلة هو أحد الموضوعات التي تدور حولها مناقشات صانع القرار الإماراتي، يمكن ملاحظة ذلك من خلال المنتديات والمؤتمرات الثقافية والاجتماعات مع الدول الصديقة، التي يتم عقدها على مستويات مختلفة، وكذلك من خلال نوعية التخصصات العلمية للطلبة الإماراتيين، ومن خلال استضافة الدولة للعلماء والمفكرين، وكذلك نوعية الجوائز التي تقدمها للمبدعين والمتميزين.

القاعدة التي لا يشك فيها أحد أن دولة الإمارات خرجت من إقليم الشرق الأوسط من خلال الأعمال التنموية الكبرى، التي تعمل فيها، ودخلت ضمن الدول الكبرى، فهي من بين تسع دول فقط في العالم تخطط للانتقال إلى الفضاء، وهي كما يبدو لن تعود إلى «أفكار المنطقة»، بل تعمل على تشجيع الآخرين على الخروج من حالة الإعجاب بما يحققه الغرب إلى محاولة التنافس والتغلب عليه، فمشروعات الإمارات تسهم في إحياء الأمل لأبناء المنطقة، بل تحرج بعض القادة وتسهم في تغيير الكثير من الأشياء، الأمر الذي يعني أنه لا ينبغي أن نستغرب إذا سمعنا أن دولة عربية أو إسلامية تفكر بغزو الفضاء.

إن أحد الأسئلة الشاغلة والملحة للقيادة الإماراتية هو كيف يمكننا مواجهة التغيرات المستقبلية القادمة والتقليل من آثارها السلبية؟ فتنويع مصادر الدخل، أحد أبرز التحديات التي يواجهها العالم، والبحث عن مصادر للطاقة البديلة والمتجددة واحد منها، وذلك في سبيل تحقيق التنمية المستدامة.

للإمارات «بوصلة» واضحة منذ نشأتها في خدمة الإنسانية عموماً والاستثمار في الإنسان الإماراتي بشكل خاص، وبالمشروعات التي تقوم بها، فهي تؤسس لأن تدخل التاريخ الإنساني في مجالات لم يسبقها أحد إليها مثل بناء قرية في «المريخ الأحمر»، فالقيادة السياسية تعي وتفهم ما يحدث في العالم والدليل استمرار مؤشرات التنمية في التصاعد في ظل المشاكل الاقتصادية والأزمات التي تواجه دول العالم، ما يؤكد أن طريق الإمارات نحو المستقبل يسير بنجاح ويفتح مجالات للتعاون الإنساني مع مختلف الثقافات والعمل مع مختلف الأعراق والجنسيات، والمعيار الوحيد الذي يميز بين الواحد والآخر هي الكفاءة العلمية فقط.

بات المشهد الإماراتي بالنسبة للمراقب الخارجي، وخاصة الإنسان العربي، عبارة عن ورشة عمل تبدع وتبتكر الحلول بعيداً عما هو معتاد، أما المراقبون من الخارج فأظنهم يقفون مدهوشين من الأفكار التي تطرحها القيادة الإماراتية لأنها تحدث في مكان لا يتوقعونه.