فهمي هويدي

نتائج التصويت على الاستفتاء التركي غطت على موضوعه، إذ استأثر التقارب النسبي بين المؤيدين والمعارضين بأغلب التعليقات، أولا لأن دلالتها لها أهمية خاصة، وثانيا لأن ذلك التقارب وظفه البعض للنيل من مكانة الرئيس رجب طيب أردوغان والتدليل على تراجع التأييد له. بما يوحى بأن نجمه فى طريقه إلى الأفول. وفى مصر بوجه أخص فإن الخصومة السياسية أثرت كثيرا على المعالجات الإعلامية، فجريدة «الأهرام» مثلا ذكرت أمس (الثلاثاء ١٨/٤) أن أول المهنئين لأردوغان كان أمير قطر ووزير خارجيته، والشيخ راشد الغنوشى زعيم حزب النهضة فى تونس. فى حين أبرزت صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية على صفحتها الأولى تهنئة مجلس الوزراء السعودى برئاسة الملك سلمان له، وكذلك تهنئة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب.

لا يختلف أحد على أن نصف الشعب التركى تقريبا عارض الانتقال إلى النظام الرئاسى، الأمر الذى يعنى أن ثمة انقساما هناك يوجه رسالة إلى الرئيس أردوغان وحزبه. ذلك لم يخطئ كثيرا من وصف نتيجة الاستفتاء بأنها «فوز بطعم الهزيمة»، أو أنها «نصر مُر» أو أنها «إنذار لأردوغان».. إلخ. إذ إن ذلك كله صحيح، لكنه يدعو إلى الملاحظة والترقب وليس إلى الشماتة أو التسرع فى إصدار الأحكام. لم يكن لدى اعتراض على فكرة النظام الرئاسى الذى يظل أحد أشكال الممارسة الديمقراطية (مطبق فى الولايات المتحدة). إذ لم أشك فى أنه يمكن من إقامة حكومة لديه، إلا أن ضمانات نجاحه أوفر في مجتمع قوي له مؤسساته المستقلة التي تستطيع أن تضع حدا لنزُوع الحكومة القوية إلى الطغيان والاستبداد إذا ما وظفت سلطاتها الواسعة في التغول على حق المجتمع ــ كان في ذهنى موقف القضاء الأمريكي الذي أوقف قرارات الرئيس ترامب بمنع رعايا بعض الدول من دخول الولايات المتحدة ــ وكان تساؤلي هو: هل يستطيع القضاء في تركيا أن يكبح جماح الرئيس أو من يخلفه إذا تغول أو زلت قدمه؟

بكلام آخر فإن تحفظي لم يكن منصبا على فكرة النظام الرئاسي وإنما على عدم توفر الظروف المناسبة بحيث يصبح سعيا إلى الاستقرار لنظام ديمقراطي وليس خصما من الديمقراطية في المجتمع التركي. وللعلم فإن عددا غير قليل من الزعماء الأتراك السابقين أيدوا ذلك النظام ودعوا إليه لمواجهة التقلبات السياسية المزعجة في البلاد (سليمان ديميريل مثلا) ــ لكن أردوغان كان وحده من فعلها، أغلب الظن اطمئنانا إلى رصيد الثقة الذي توفر لحزب العدالة والتنمية والنجاحات التي حققها في الانتخابات التشريعية والبلدية المتوالية التي أجريت منذ عام ٢٠٠٢ وحتى عام ٢٠١٥.

حين أيد النظام الرئاسي ٥١.٣٪ من الناخبين الأتراك وعارضه ٤٧.٧٪ فإن ذلك يعني أن أردوغان نجح هذه المرة بدرجة «مقبول» كما يقال فى التصنيفات الجامعية، ولم يستطع أن يحصل على تقدير جيد أو جيد جدا كما حدث فى مرات سابقة. وفي حدود علمي فإن ارتفاع نسبة المعارضين راجع إلى أن أعدادا من أعضاء حزب العدالة والتنمية لم يؤيدوا مشروعه. وتلك رسالة تحذير تمنيت أن يقرأها الرئيس التركي جيدا. ذلك أن نجاحه المحدود، يثير أكثر من تساؤل حول خطواته التالية وهل ستكون سعيا إلى احتواء الآخرين خصوصا بين صفوف حزبه الذي اهتزت صورته وصفوفه، أم أنها ستدفعه إلى الذهاب إلى أبعد فى طموحاته دون مبالاة بمخالفيه في داخل الحزب وخارجه. إن موضوع الاستفتاء طويت صفحته بالنتيجة، وما بعد الاستفتاء هو ما يستحق الرصد والمتابعة. لأن فوز الديمقراطية في تركيا أهم عندي من فوز أردوغان. والخير كل الخير في أن يجتمعا معا.