سمير عطا الله

أسوأ ما يمكن أن يحل في فرد، أو شعب، أو أمة، هو الشعور بالخوف. وفرنسا التي تذهب اليوم، لاختيار رئيسها (أو رئيستها) الجديد، أمة يعتريها الخوف. فالرئيس في فرنسا، الذي هو أحياناً أيضاً، الزعيم، ليس مجرد فائز يمضي ولاية، أو ولايتين ويمضي، هنا، كان غالباً رمز الوحدة الوطنية، أو سبب الانقسام. الفرنسي ليس مثل جاريه، البريطاني أو الألماني، يقترع ويسلم أموره للرئيس، ثم يحاسبه في موعد الانتخابات التالية. إنه يحمل «دفتر الحساب» كل يوم، ويعتبر مظاهرات الاحتجاج مثل نزهة خارج المكتب.


لكن هذه المرة هو خائف، وبالتالي حائر. منذ انتخاب نيكولا ساركوزي 2007 وفرنسا دولة مضطربة، والرئيس ليس «زعيماً». وهذه الدولة الكبرى، والإمبراطورية ذات مرحلة، هدها الإرهاب أكثر مما أرعب بريطانيا أو ألمانيا. فالخوف ليس فقط على الضحايا في المسارح، أو على الشاطئ، بل من نتائج الإرهاب على السلطة، وبالتحديد من وصول المدام لوبان إلى الإليزيه، لأن ذلك سوف يؤدي إلى انقسام وطني خطير ومفزع. صحيح أن مارين لوبان تطرح أحياناً شعارات نابليون، أو ديغول، لكنها في العمق زعيمة «محليّة» متطرفة، لا تتردد في سياسة قد تشق البلاد.
أمضيت نحو نصف قرن في تغطية المعارك السياسية الفرنسية، وأشعر هذه المرة، أن خوفاً صامتاً يملأ النفوس. بدأت «الجمهورية الخامسة» مع ديغول في 17 مايو (أيار) 1958، ثم انتقلت إلى رئيس وزرائه جورج بومبيدو، ثم وزير ماليته والاقتصادي اللامع فاليري جيسكار ديستان، الذي خلفه أول رئيس اشتراكي، فرنسوا ميتران، ثم عاد الديغوليون مع جاك شيراك.
مع ساركوزي، حدثت خضة ما لصورة الإليزيه، وتزعزعت بالتالي صورة الجمهورية الخامسة. وبرغم أدائه في أمور كثيرة، وخصوصاً في مواجهة الإرهاب، ظلت صورة الرئيس فرنسوا هولاند باهتة، تطغى عليها أخبار العاشق الذي يذهب إلى زيارة عشيقته، بعد منتصف الليل، على دراجة نارية.
لم تكن هذه «الحداثة» التي تطلّع إليها الفرنسيون. وفي أي حال، فهم من النوع الذي يصعب إرضاؤه. والعام 2014 قال جيسكار ديستان «إذا قلت للفرنسيين الحقيقة، ووصفت العلاج، فإنك بالتأكيد سوف تُهزم». وقال إن الناس لا تزال تعتقد أنه في إمكانها أن تعيش كما كانت تفعل قبل مائة عام، من دون أن يأخذوا في الحساب، التحول الذي حصل.
إلى اللقاء.... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .