فوزية أبو خالد

طبعا كان لا بد في سلسلة مقالات بدأتها قبل أسبوعين (وقد تتلاحق متقطعة أي ليس بتتابع ثابت) لشهادتي الذاتية على تجربة شباب المملكة السينمائية عبر مبادرة جمعية الثقافة والفنون الشجاعة بالمنطقة الشرقية، وتفاعلي معها وانطباعاتي الحرة أو قراءتي السيسيولوجية لها, أن أفرد مقالا مستقلا عن حضور الفنان سعد خضر ضيف الشرف لمهرجان أفلام سعودية 2017م.

فتكريم الفنان سعد خضر في هذه الدورة السينمائية شكل تحديا لذلك النوع الاجتهادي غير المصيب من أنواع التكريم الصوري لقامات العلم والأدب والفن الذي لا يتعدى تقديم درع وكلمة إنشائية من دفاتر التعبير كما جرت بعض عادات تكريم رفع العتب أوذر الرماد في عيون الإعلام. وتمثل التحدي بمخالفة تلك التقاليد المتحفظة والعمل على جعل التكريم تكريما إبداعيا يضاهي جمال وأوجاع سيرة المحتفى به. فكان حضور سعد خضر كسينمائي مبكر علامة مهرجان أفلام سعودية الفارقة التي تشترك فيها وبالوقت نفسه تتمايز من خلالها عدة أجيال ثقافية, حيث جاء الاحتفاء بتجربة الفنان في ريادتها وأولويتها بتسليط الضوء على تفاصيلها وفحص جروحها الصغيرة وملاحقة أفراحها العابرة والتقاط صور حية لرفيف أجنحتها في لحظات مهيضها وزهوها.

وهذا ما لفت نظري المنهجي والمعرفي باعتماد أداة الملاحظة بالمشاهدة إلى طبيعة الحضور النوعي الذي مثلته سيرة الفنان سعد خضر الفنية والحياتية من خلال مهرجان الأفلام. وقدرة ذلك الحضور على الكشف عن رمزية تلك السيرة كبطولة فردية مشتعلة وكبطولة جمعية متشظية في تعبيرها عن لمحة من تاريخ محاولات التحول السعودي من مجتمع الصورة اللامرئية والصامتة إلى أفق الصورة المتجسدة والصوتية ومن اللقطة الظلية والشفاهية المتقشفة إلى المشهد المبصر والمكتوب والمقروء عبر مسيرة التغير من الجامد إلى النابض ومن المستور إلى السافر ومن الغائب إلى الحاضر. فرغما عن الكبوات وتعرجات التراجع والتقدم على طريق كانت مخفورة بالمخاوف والتحفظ والتحريم كان هناك طرق غير مطروقة إلا بالأخيلة وأنفسا غير مشغولة إلا بشغف المغامرة وأجساد لايرضي غرورها إلا المشي على الشوك بأقدام حافية وأرواح تواقة.

* * *

قام شباب مهرجان أفلام سعودية بتأليف كتاب عن حياة ضيف الشرف (المتعدد) من إعداد أ. علي الدواء موثق بشهادات من مجايلي الخضر وأصدقائه، يبدأ بشهادة من الفنان حسن دردير (مشقاص ) وينتهي بمنحوتة صدق وجمال من ابنته صالحة سعد خضر.

قام شباب ثقافة وفنون الشرقية أيضا وفي سياق التكريم قولا وعملا بتقديم فيلم أو حلم سعد خضر بإشراف الشاعر أحمد الملا وبإخراج وتصوير الثلاثي الإبداعي الرائع أحمد الشايب ومحمد الحساوي وعلي البراهيم. فعشنا حياة الفنان سعد قراءة ومشاهدة لحظة بلحظة على إيقاع شرارات النار المنبعثة من موقد الحطب في غرفة المعيشة ببيته وعشنا مشواره الفني دفعة واحدة كجرعة حادة على صوت قطرات المطر في مربعانية شتاء الرياض وقت تصوير الفيلم.

خرج الفتى النحيل الحيي من حي المرقب بالرياض يمتشق طموحا يريد أن يخرج على غربة اليتم وعلى جبروت الفقر وعلى ذل البؤس الطبقي والعرقي وعلى آلام اجتماعية لايعلم أسماءها المعرفية. فما وجد ملاذا إلا بالبحث عن أفق يشكل على خطه المتخيل ذاته من جديد على غير المستقبل المرسوم مسبقا لمن ولدوا من جيل شريحة اجتماعية سعودية لم يكن في أفواههم ملعقة من ذهب النفط بعد، ولامن خشب الاحتطاب قبل، وليس لديهم من حلل الحياة إلا ريشة الأمل.

تنقل سعد من عازف كمان في فرقة الجيش الموسيقية بقيادة طارق عبدالحكيم إلى كوميديا ودراما المسرح المدرسي والتلفزيون السعودي متسللا منهما نحو صناعة الأفلام حيث كانت البداية الأولى في وقت مبكر من السبعيات الميلادية بفيلم موعد مع المجهول.

كان سعد خضر ولايزال قامة قاومت القهر الاجتماعي والحرمان الفني.

لم يقوَ الفقر على كسر كبريائه فقد واجهه بسلاح بسيط اسمه التعفف.

قاوم شظف البيئة بحبات تمر وقهوة مرة.

قاوم ظلام الجهل بضوء الكاميرا.

قاوم معتاد الوظائف والأدوار الاجتماعية والقوالب بتجريب حقول جديدة من الأعمال.. فمن كومبارس إلى ممثل ومن موظف صغير إلى صاحب شركة إنتاج في واقع بالكاد كان يتسامح مع أحلام المنام فكيف مع أحلام الصحو.

وفيما لم يكن متاحا الا من خرم الخيال والحظوة الاجتماعية و شقاوات الشباب متابعة القليل من الأفلام كان الفنان الخضر يعاند ظروفا قاسية ليختلس من الوقت حلما بصناعة أفلام.

لم تستطع العنصرية أن تلوى أعناق شخصية الخضر فقد كان إنسانا حرا يتماس باعتزاز مع حق المساواة ومع سواد الناس كبلال بن رباح وسمية رضي الله عنهما ممن حرروا القيم من سلطة التصنيفات ومثلهم على جبهات تحررية متنوعة أخرى علي كلاي .نلسون مانديلا،مارتن لوثر كينج، ستيفي وندر . ولي سونيكا، روز باركس، صامويل جاكسون، إنجري مثيا وتوني ميرسون ممن انتصروا لحرية الإنسان ولتعدد الألوان بمشترك العقل والفكر والوجدان بين البشر.

ذلك هو فرج الله وطارق بن زياد الفنان السعودي سعد خضر.

بما يرمز إليه من شوق الإنسان السعودي للخروج على معازل البيئة جغرافيا واجتماعيا وثقافيا إلى رحاب الحرية وبما يعبر عنه من تموجات المد والجزر بين المتجذر وبين التجديد في علاقة جدلية لاتني .

تحية لرفيق الفنان سعد الذي لازمه بأريحية طيلة وجودهما بمهرجان الأفلام وهو السيد أبوفهد/ سليم المرزوقي.

وإلى وقفات أخرى مع عدد من الأفلام وصناعها الشباب من خلال تجربة الملاحظة بالمشاهدة لمهرجان أفلام سعودية 2017م