خالد غزال

تستثير السياسة الأميركية الجديدة للرئيس دونالد ترامب أسئلة حول المآل الذي يمكن أن تصل إليه في سياستها «الهجومية» المستجدة. كيف ترى هذه الإدارة الى مصالح أميركا بوصفها العنصر المحدد لسياستها الخارجية؟ ولماذا تبدو متناقضة مع الوجهة التي اعتمدتها إدارة الرئيس السابق؟ ما الخلفية الأيديولوجية الكامنة وراء السياسة الهجومية، وعلى الأخص التوتر «الكلامي» حتى الآن مع إيران؟ أسئلة تحتاج الى أجوبة.

لا بد أولاً من استعادة الخلفية «الأيديولوجية» لسياسة أوباما تجاه المنطقة العربية وتجاه إيران على وجه التحديد. قامت «عقيدة» أوباما على قاعدة أن بلدان الشرق الأوسط منقسمة مذهبياً الى دول غالبيتها تعتمد المذهب السنّي، وأخرى تعتمد المذهب الشيعي. منذ اعتداءات أيلول (سبتمبر) 2011، ساد اقتناع أن بعض الدول ذات المذهب السنّي ترعى الإرهاب الذي ضرب أميركا وأوروبا.

اعتمدت إدارة أوباما وجهة احتضان تنظيمات إسلامية تعتبرها معتدلة ومناهضة للإرهاب، فأقامت علاقات مع تنظيم الإخوان المسلمين، وراهنت على وجوده في السلطة. لكن «الإخوان» اخفقوا في تحقيق أمنيات الإدارة الأميركية، حيث ظهر تنظيمهم بصفته الأب والأم لسائر التنظيمات الإرهابية. بعد أن خاب أمل الأميركيين من العالم «السنّي»، جرى التحول نحو إيران بصفتها القطب الآخر المذهبي الذي يمكن الاعتماد عليه والتحالف معه في وجه الإرهاب. هذا القطب تمثله دولة إيران، فبات الاهتمام الأميركي 
منصباً على إقامة علاقة حسنة مع إيران، وكان المدخل هو البرنامج النووي الإيراني الذي انتهى بتوقيع اتفاق إيجابي مع ايران. 
شكل ذلك تحولاً استراتيجياً، عبر التراجع عن العلاقة القوية مع بعض الدول العربية لمصلحة الدولة الإيرانية.

على رغم التوافق الأميركي- الإيراني على امتداد أكثر من عقد، خصوصاً منذ احتلال العراق عام 2003، إلا أن ذلك لم يمنع من وجود تباينات بين المصالح الأميركية ومتطلباتها، وبين المصالح الإيرانية. لكن الثابت في السياسة الأميركية كان المهادنة مع طموحات إيران وتطلعاتها التوسعية في المنطقة، على رغم اعتراضات دول عربية حليفة بالأصل للسياسة الأميركية. 

استثمرت إيران التفاهمات مع الولايات المتحدة الى أبعد الحدود. فتربعت على قمة السلطة في العراق، بواسطة وكلائها من أمثال نوري المالكي، على ظهر الدبابات الأميركية وبحماية الإحتلال. تعاطت مع العراق بوصفه المدى الحيوي لإيران، فبات تشكيل الحكومات والميليشيات خاضعاً لما تقرره قيادة الحرس الثوري. وبعد الانتفاضة السورية، تدخلت إيران بقوة لحماية نظام الأسد، سواء بجيشها مباشرة، او بواسطة الميليشيات التابعة لها خصوصاً «حزب الله». ومدت أذرعها للتدخل في اليمن عبر دعم حركة الحوثيين، بواسطة السلاح الثقيل والمستشارين، ويقال بوجود قوات من الحرس الثوري. ولم تكف عن التدخلات في البحرين عبر دعم المعارضة فيها.

هذه السياسات الإبرانية كانت أحد الأسباب في تسعير الصراع الطائفي والمذهبي في المنطقة. لم تعر الإدارة الأميركية السابقة أي اهتمام لهذا الدور الإيراني المستفحل، بل أصرت على اعتماد النهج نفسه في إضعاف حلفائها الأصليين لمصلحة إيران. 

في العودة الى إدارة ترامب، المنطلقة من مصالح اميركا أيضاً، يبدو الفارق هو عدم الانطلاق من التفريق الطائفي والمذهبي في العلاقات والتحالفات، وهو أمر بدا بعيداً من التصنيف «الأيديولوجي» الذي اعتمدته إدارة أوباما. ينطلق ترامب من هدف استعادة موقع أميركا في الشرق الأوسط، وإعادة تحجيم الدول القائمة والذي تجاوز بعضها حدود المسموح له. بقي الثابت الأميركي الوحيد هو الدعم المطلق لإسرائيل، وهو ثابت لدى كل العهود الأميركية، ديموقراطية كانت أم جمهورية.

تصاعدت اللغة الأميركية الهجومية ضد إيران، فجرى توصيفها انها الداعمة للإرهاب في المنطقة، وأنها تهدد الأمن القومي الأميركي، وان البرنامج النووي الذي وقعه أوباما يجب إعادة النظر به بكل ما يعنيه من عدم رفع العقوبات. مما يعني وجوب تقليم أظافر إيران في المنطقة. واستكمل ترامب سياسته تجاه إيران بضربة عسكرية في سورية كانت الرسائل واضحة عبرها سواء الى الروس او الى الإيرانيين.

اذا كان ترامب لم يجد حرجاً في توجيه ضربة عسكرية الى سورية، وهو تصرف يعبر عن ترجمة التهديدات الى أفعال، فهل بإمكانه ان يتصرف مع إيران وفق الأسلوب نفسه؟ ليس الأمر مبسطاً، فإيران دولة تملك ترسانة صاروخية، صحيح انها لا توازي الترسانة الأميركية، ولكنها قادرة على إحداث دمار في القوة العسكرية الأميركية. لذلك تبدو الحسابات مع إيران أكثر تعقيداً من استسهال ضرب قواعد عسكربة في سورية؟ يناقش الطرفان الأميركي والإيراني احتمالات الصراع والحدود التي سيصل اليها، وليس غريباً ان تكون الحسابات دقيقة تجاه أي خطوة تصعيدية. تحتاج هذه العلاقة الى فترة تنقضي فيها الانتخابت الرئاسية في إيران التي ستحدد مسار علاقات إيران الدولية ومنها تلك المتصلة بالإدارة الأميركية.


* كاتب لبناني