رياض نعسان أغا

لست متفائلاً بأن تحقق أي مفاوضات في جنيف حلاً سياسياً للقضية السورية، ولكن لابد من أن تبقى العملية السياسية مستمرة، وأن تبقى القضية محط اهتمام دولي، وإن لم تكسب المعارضة من جنيف أكثر من الإضاءة الإعلامية الساطعة وسط أوروبا وأمام تجمع إعلامي عالمي فهذا حسبها في ظروفها القاتلة. 

لكن كل أطراف الصراع والحل تترقب الجولة القادمة، متوقعة دخول الولايات المتحدة على خط التفاوض الذي تفردت به موسكو طويلاً، عبر تفويض مطلق أتاح لها أن تحتل سوريا عسكرياً وتباشر الحكم، ولاسيما حين رأت إيران تكاد تنفرد في الاستيلاء على كل الشؤون السورية، وتتباهى بأنها تمكنت من احتلال أربع عواصم عربية هي بغداد وبيروت ودمشق ثم صنعاء. وكان لابد لروسيا أن تبحث عن حصتها، وهي التي تزود النظام بالسلاح الأهم والأخطر، وهو الطيران والصواريخ التي مكنته من مواجهة الشعب بوحشية غير مسبوقة.

وعلى الرغم من إعلان إيران ترحيبها بالتدخل الروسي إلا أن مشاعر الضيق بالضرة القادمة بقوة ظهرت سريعاً، ولكن إيران وجدت في الرضا الأميركي عنها فرصة لحل كثير من مشكلاتها النووية في عهد أوباما الذي تفاءل به العرب والمسلمون واستقبلوه بترحيب كبير في أهم عواصمهم (القاهرة، إسطنبول) ثم وجدوا أنه لا يقدم غير الكلام والتصريحات لهم بينما يمنح إيران وموسكو حرية التصرف في امتلاك الشرق الأوسط وتقاسمه! 

وبالطبع كان الأوروبيون قلقين وحائرين وعاجزين، وقد واجههم أيضاً تهديد بتفكيك الاتحاد الأوروبي نفسه، وبعد خروج بريطانيا صار نقاش الخروج مقبولاً في كثير من الدول الأوروبية، التي باتت مثلنا نحن العرب تترقب ما سيحدث في واشنطن ولا تعرف حقيقته! 

وكنا سمعنا من كبار قادة أوروبا تعبيرهم عن الاضطراب في رؤية المستقبل بانتظار ما ستفرزه الانتخابات الأميركية وها نحن جميعاً نترقب اليوم ما ستعلنه إدارة ترامب التي أعطت رسائل يمكن اعتبارها واضحة ويمكن الحذر من تقلباتها أيضاً.

وقد شغلت الضربة الأميركية لمطار شعيرات اهتمام العالم بوصفها مؤشراً لتوجه السياسة الأميركية الجديدة، وأفاض المحللون في تفسيرها، وقد أحدثت ارتباكاً كبيراً في معسكر النظام وحلفائه، وكانوا يأملون أن تكون إدارة ترامب صديقة لهم على الرغم من التصريحات المضادة التي اعتبروها مجرد تشويش إعلامي تحتاجه الحملات الانتخابية. 

وعلى الرغم من أن الضربة لم تكن موجعة، إلا أنها ضربة على الطاولة تقول «نحن هنا»، ومع أنني لا أريد مزيداً من التدخلات العسكرية الأجنبية في بلدنا سوريا، إلا أن تفرد إيران وروسيا بالشعب السوري يهددنا مما جعل الشعب السوري ينتظر تدخلاً دولياً لإنقاذه، ونأمل أن يكون الإنقاذ بدفع العملية السياسية وليس بمزيد من الدماء والدمار.

وقد تساءل كثير من المراقبين «ماذا بعد شعيرات؟»، وكان الرد الإعلامي من النظام هو الإسراع بتشغيل مطار الشعيرات وانطلاق المزيد من الطائرات لقتل السوريين، واستخدام المزيد من العنف في الغوطة، ومتابعة تهجير السكان وتكثيف الحصار وبخاصة على الغوطة، وكان الرد الروسي «فيتو» جديداً في مجلس الأمن يعبر عن استمرار روسيا في سياستها في تحدي العالم وفي الدفاع عن رأس النظام حتى لو قادها الأمر إلى حرب عالمية كبرى!

وحتى اليوم لم تفصح الإدارة الأميركية الجديدة عن رؤيتها للحل، وعن حجم ومستوى التدخل السياسي الذي نترقبه في أي جولة مفاوضات قادمة، ونحن في عامة أطياف المعارضة نريد حلاً سياسياً ونبحث عنه منذ مارس 2011، ولكن النظام مصرٌّ على الحسم العسكري برغم ما يبديه من قبول بالتفاوض، ولكنه عبر كل الجولات السابقة كان يريد مناقشة قضية الإرهاب فقط ليكون شريكاً دولياً في الحرب على الإرهاب، وهو يرى أن كل من خرجوا يطالبون بالحرية والكرامة إرهابيون، وهذا ما جعل كل الجولات التفاوضية مجرد تظاهرات مسرحية.

ونحن اليوم على أبواب جولة جديدة في جنيف نأمل معها ألا تكون مثل السابقات التي غاب عنها التوازن الدولي، وإن لم يكن هناك موقف عملي يؤكد هذا التوازن فلا فائدة من هذه المفاوضات العبثية التي كرهها كثير من أبناء شعبنا، وبات بعضهم يلوم هيئة التفاوض على استمرارها على الرغم من كون الهيئة ترى فيها مناسبة إعلامية لإيصال صوت الشعب الذي يراد له أن يكتم.

ومرة ثانية أؤكد أنني لا أتفاءل بأن يجيء حل في جنيف، فالحل السياسي يأتي عبر مجلس الأمن، وعبر موافقة الشعب السوري عليه، ورضائه به، لكن مؤتمر جنيف بوسعه أن يرسم آفاق الحلول.