عبد الله مصطفى 

اعتمد قادة الاتحاد الأوروبي، أمس، «بالإجماع» المبادئ التوجيهية الكبرى التي ستحدد مسار المفاوضين الأوروبيين خلال عملية بريكست، ما يدل على وحدة صفهم في مواجهة بريطانيا.
وأعلن رئيس المجلس الأوروبي، دونالد تاسك، على «تويتر» بعد افتتاح أول قمة استثنائية في بروكسل للدول الأعضاء الـ27 حول بريكست أنه «تم تبني المبادئ التوجيهية للمفاوضات بالإجماع. التفويض الحازم والمنصف لأعضاء الاتحاد الـ27 حول مفاوضات بريكست جاهز».


وكان تاسك قد شدّد عند وصوله إلى القمة على ضرورة «البقاء متحدين» طوال مسار المفاوضات على اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، التي يفترض أن تستمر سنتين. وقال: «هكذا فقط نكون قادرين على إنجاز هذه المفاوضات، ما يعني أن وحدة صفنا هي أيضا لصالح» لندن.
وأكد الفرنسي ميشال بارنييه، كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي حول بريكست، أن وحدة الدول الأعضاء الـ27 «ليست موجهة ضد بريطانيا». من جهته، قال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي يشارك في آخر قمة أوروبية، إن «أوروبا ستعرف كيف تدافع عن مصالحها».
بدوره، قال رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشال إن «خروج بريطانيا لن يكون مجانا»، وإن «من يتخذ قرارا، عليه أن يتحمل تداعياته». ولفت ميشال إلى نجاح قادة الاتحاد الأوروبي في غضون أسابيع قليلة في الاتفاق على استراتيجية مشتركة، بينما استدعى الأمر شهورا من الحكومة البريطانية لكتابة خطاب تتقدم به إلى بروكسل لطلب الانسحاب.
واعترف ميشال بأن الخطوات المقبلة سيكون فيها أوقات صعبة للحفاظ على التوافق الكامل بين الدول الـ27. وهناك احتمال أن تحاول أن لندن خلال الفترة المقبلة إحداث انقسامات في المواقف الأوروبية، مشددا: «يجب ألا نقع في هذا الخطأ».
من جهته، لفت رئيس الوزراء الهولندي مارك روته، أمس، إلى أن الحكومة البريطانية قد تحاول كسر الوحدة بين الـ27 دولة الأعضاء المتبقية في الاتحاد الأوروبي خلال المفاوضات. وقال روته: «ربما ستبذل الحكومة البريطانية أقصى ما في وسعها لتقسيم الـ27 دولة، وهذا فخ نحن بحاجة لتجنبه». وتابع أن بريطانيا يجب أن تدفع ثمنا لخروجها من الاتحاد الأوروبي، مشيرا إلى أن «عملية خروج مجانية ليست محتملة». وأضاف روته: «في بداية المحادثات، من المهم للغاية أن يكون لدينا رسالة واضحة. وكل منا يجب أن يقول إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مجانا لن يحدث».
وبعد شهر على إبلاغ لندن الاتحاد الأوروبي رسميا بعزمها الخروج من صفوفه وبعد عشرة أشهر على الاستفتاء البريطاني، تجري أولى الاستعدادات «من دون أي عقبة» من الجانب الأوروبي، بحسب ما قال دبلوماسي.
ويظهر الأوروبيون وحدة صفهم بعد تحذير وجهته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إذ نددت بـ«أوهام» بعض المسؤولين البريطانيين، ما أثار توترا مع رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي. وأبدت ماي من لندن مخاوف من أن «يتكتل» باقي الاتحاد الأوروبي ضد بريطانيا.
وقال تاسك: «نريد جميعا علاقة مستقبلية قوية مع المملكة المتحدة»، مشددا على أنه قبل الكلام عن المستقبل، على الأوروبيين تسديد حسابات الماضي مع بريطانيا التي ظلت شريكة لهم على مدى أربعين عاما.
وسترسي «توجيهات المفاوضات» النهج «التدريجي» الذي يدعو إليه الأوروبيون، والمبدأ القاضي بإحراز «تقدم كاف» في المفاوضات حول النقاط الثلاث الأساسية التي حددها الاتحاد الأوروبي، هي حقوق المواطنين والفاتورة المترتبة على بريطانيا والمسألة الآيرلندية، قبل الانتقال إلى بحث «العلاقة المقبلة» بين الطرفين.
وقال مصدر أوروبي في بروكسل، أمس، إن القادة «سيحاولون تحديد رؤية شاملة حول أفضل طريقة للمضي قدما». ولفت تاسك بهذا الصدد إلى أن المفوضية الأوروبية التي تشرف على المفاوضات من خلال تعيين الفرنسي ميشال بارنييه على رأس فريق مفاوضيها، وضعت قائمة بالحقوق الواجب «حمايتها» للمواطنين الذين سيتضررون جراء بريكست، وهم ثلاثة ملايين أوروبي يقيمون أو يعملون في بريطانيا ويخشون على إقاماتهم، وكذلك مليون بريطاني يقيمون في باقي الاتحاد الأوروبي.
كما يتحتم على الطرفين التوصل إلى توافق حول تسديد الحسابات العالقة، وهو أكثر المواضيع السياسية حساسية. وتبدو فاتورة الخروج فادحة على بريطانيا، وتقدر بنحو ستين مليار يورو.
بموازاة ذلك، تمنى وزير المالية الألمانية فولفغانغ شويبله في مقابلة صحافية ألا تضطر بلاده إلى زيادة مساهمتها المالية للتعويض عن حصة بريطانيا بعد خروجها. وقال مسؤول أوروبي كبير إن الدول الـ27 ستقيم مدى التقدم الذي يتم إحرازه، قبل الانتقال إلى المرحلة التالية، ربما قبل نهاية العام «إذا جرت الأمور بشكل جيد».
وتتعلق النقطة الثالثة بـ«المسألة الآيرلندية». فلا أحد يود إقامة حدود فعلية مجددا بين آيرلندا وآيرلندا الشمالية، ولا إعادة النظر في اتفاقات السلام التي تم التوصل إليها بعد نزاع استمر ثلاثين عاما وأوقع أكثر من ثلاثة آلاف قتيل.
كما سيباشر القادة الـ27 البحث في مسألة الوكالتين الأوروبيتين المتمركزتين حاليا في لندن، السلطة المالية الأوروبية ووكالة الأدوية الأوروبية، اللتين سيتم نقلهما حتى تبقيا على أراضي الاتحاد الأوروبي.
وتصدر المفوضية الأوروبية الأسبوع المقبل اقتراحها لـ«توجيهات» مفاوضات مفصلة أكثر، على أن تقرها الدول الـ27 في 22 مايو (أيار). ويأمل الأوروبيون البدء بالمفاوضات بعد الانتخابات العامة التي دعت تيريزا ماي إليها في 8 يونيو (حزيران) بهدف الحصول على دعم سياسي ثابت.. .