خالد الطراح

كان هناك حتى في الماضي القريب حذر قانوني عند استخدام كلمة فساد القرار أو فساد العزيمة والإرادة، إلا في حالات صدور أحكام قضائية تتضمن حيثيات الأحكام في بعض النصوص عن طبيعة قضايا الفساد الإداري والمالي، لكن اليوم بات الحديث علنيا وصريحا عن انتشار الفساد في معظم مفاصل الدولة!


إلى جانب تقارير ديوان المحاسبة، التي تضخمت بسبب حجم المخالفات والمآخذ والتجاوزات، ولم تشد انتباه السلطة الحكومية لتدفعها إلى اتخاذ إجراءات حازمة وعلنية في محاسبة المقصرين والمتجاوزين، سواء كان وزيرا أو جهازا حكوميا بأكمله، برزت آراء صريحة وناقدة للوضع العام في الدولة لشخصيات استشارية ضمن أعضاء المجلس الأعلى للتخطيط، وكذلك شخصيات اقتصادية، خصوصا من القطاع الخاص، حيث تم تلخيص الوضع الاقتصادي بأن «القطاع الخاص يصرخ من فساد القطاع العام» (16 ــ 4 ــ 2017 القبس).
تحقيق القبس حمل تحليلا موضوعيا لشخصيات اقتصادية بارزة، ولها نظرة ذات أفق بعيد، حيث حدد البعض مكامن الخلل والشلل، الذي يعاني منه القطاع العام في «خضوع مشاريع ضخمة ومناقصات كبرى رهينة لجهاز حكومي بيروقراطي باعتراف الجميع، فمن الطبيعي أن ينشأ ويترعرع الفساد»!
طبعا لم تغب بيروقراطية الروتين الحكومي والدورة المستندية المعقدة عن حديث خبراء الاقتصاد، الذين أكد أحدهم، وهو الأخ الفاضل جاسم السعدون، رئيس شركة الشال للاستشارات الاقتصادية، «أن الفساد في القطاع العام هو السبب الرئيسي في تراجع الكويت 20 مركزا على مؤشر مدركات الفساد خلال سنة واحدة»!
وذكر السعدون «أن تقرير البنك الدولي الصادر أخيرا عن ممارسة الأعمال المكون من 10 معايير، أحدها بدء ممارسة العمل، جاءت فيه الكويت بالمركز التاسع عشر بعد دول ممكن وصفها بالفاشلة، منها سوريا والعراق وليبيا»!
تقارير مهنية، منها لشركات استشارية ولجان تابعة لمؤسسات دولية، كلجنة الكويت الوطنية للتنافسية، لم تصدر بشكل عشوائي، وليس لسد فراغ في صفحات الصحف والمجلات التخصصية، وإنما هي إعادة قرع أجراس الإنذار والتحذير بشتى الوسائل والأساليب، وبالأرقام والبراهين العلمية بأننا أمام كارثة فساد في القطاع العام، الذي تهيمن عليه السلطة الحكومية!
ولا بد من التوقف عند قرار الاقتراض أو تسييل الأصول، «والإقبال على سندات الدين العام»، فهذا القرار ليس حلا للوضع الاقتصادي الخطر، الذي تواجهه الكويت منذ سنوات، وأي حديث عن «الاقتراض الحصيف» ليس إلا كلاما إنشائيا وليس واقعيا!
إننا أمام وضع في غاية الخطورة سياسيا، فالفساد ومصادره واضحة ولا تحتمل التأويل أو الترميم، فالتحديات التي تواجهها الكويت تقتضي المواجهة والحزم، حتى لو كان ذلك صعبا ومكلفا.
والسكوت على ما يجري سيضع سمو رئيس الحكومة أمام مواقف حرجة سياسيا للغاية، بسبب وجود فريق وزاري، ربما يغرق سفينة الحكومة، وهو ما يتمناه من له حلم في التشويه والتخريب!
الكويت بانتظار جراحة عاجلة وعميقة على أيد لا ترتجف من أي تداعيات، ولا لسان يجامل ويصمت على ما يجري، فكلما تأخر الإجراء أصبح الحل صعبا جدا، وربما مستحيلا!
اليوم، لدينا نقد مصحوب بالحلول المجانية، لكن يبدو أن هناك من يدفع بسياسة التردد حتى لا نرى إصلاحا حقيقا!
نقولها بصراحة لسمو رئيس الوزراء، ثقوب عباءة الحكومة واضحة لا تحتاج أن يبينها لك أحد.. نتمنى عليك التمعن بمحيطك وتحليل كل التعقيدات وتحديد مصادرها!
فترديد «رحم الله امرأ أهدى إلي عيوبي» ليس حلا، فالحلول ما زالت بيدك!