أحمد عبد التواب

كان التهاون مع بدايات الفكر الإسلامى المتطرف منذ عقود هو الحاضنة الأهم فى تفريخ الإرهاب وفى استفحاله. ولنعترف بهذه الحقيقة قبل أن نلقى المسئولية على المؤامرات الخارجية التى لم يكن مخططوها ليفكروا فيها إلا بعد أن ضمنوا أن هذه الأداة صارت متوافرة. وكانت أهم الأخطاء أن أجهزة الدولة بعثرت طاقتها وتركت المتطرفين لحالهم ينعمون بالتغلغل فى الصفوف الشعبية وفى أوساط طلاب الجامعة وفى قطاعات العمال، إلا إذا بدر منهم ملامح تهدد استمرار الحكام على كراسيهم. وبدَّدت هذه الأجهزة جهودها فى محاربة الاتجاهات المستنيرة، من اليساريين والليبراليين وغيرهم، فتضعضعت قواهم، وكانوا هم المؤهلين للتصدى للفكر الإرهابى من منابعه، ليكونوا عوناً لدور الدولة الذى كان من المفترض أن يكون وفق خطط واضحة تعتمد على رؤى علمية لا تقتصر على استخدام القوة. ولكن، وللأسف الشديد، حظى المتطرفون بتجاهل الدولة لهم وبتصفيتها ألدّ أعدائهم، ثم جاء العون الخارجى بعد ذلك لتتدهور أحوالنا أكثر وأكثر. ومن دواعى القلق أن هذه الظروف، فى مجملها، لا تزال سائدة، برغم أن أهم الشعارات الشعبية فى 25 يناير، ثم فى 30 يونيو، كان يهتف بسقوط التطرف والإرهاب والدولة الدينية!

أما الأخطار الكبرى هذه الأيام، والتى كان يجب أن تلتقطها قرون استشعار المجتمع، وأن تدق أجراس الإنذار ليصحو الناس والحكام وكل أجهزة الدولة، أن هناك علامات على أن وجهة الإرهابيين صارت للقتل على الهوية! ومرة أخري، فإن أكبر عون سوف يلقاه الإرهابيون هو أن نتعامى عن هذه الحقيقة المُرَّة! وبرغم بشاعة الجرائم الهمجية ضد الكنائس، إلا أن الأخطر هو قتل المسيحيين ذبحاً فى الطريق العام! ولا يقلل من الهول أن الحالات معدودة حتى الآن، الجواهرجى فى الإسكندرية وطالب أهناسيا بسوهاج!

ولكن الأخطاء لا تزال نسخة طبق الأصل، باستبعاد الأدلة الواضحة فى مسرح الجريمة وفى منطق الأحداث، وبث أوهام عن أن وراءها عمليات ثأر قديمة أو محاولات سرقة، والتغافل عن خطاب الكراهية المنطلق من ميكروفونات المساجد ومناهج التعليم ومواقع الإنترنت!