تركي التركي

حقبة ما بعد 1979 الإيرانية ولت بقضها وقضيضها بالنسبة للمملكة العربية السعودية منذ زمن، ولم يكن ينقصها إلا شهادة مدوية وإعلان واضح بصوت الأمير الشاب محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي ولي العهد، الذي عنونت "الواشنطن بوست" لقاء مراسلها الأخير معه بـ"السعودية كما يحلم بها أمير شاب".
أمير لم يغفل عن "رغبة الشعب" كشرط أساسي لتحقيق حلم حدوده "عنان السماء" كما أشار الأمير في لقاء التسعين الدقيقة الذي تداولته ولا تزال الوكالات الإخبارية العالمية بكثير من التعليق والتحليل ليؤكد هذا الاهتمام الثقل السياسي والاقتصادي الذي تمثله الدولة السعودية الجديدة بقيادتها وشعبها بالنسبة للمنطقة والعالم.

نشر الفوضى
وبينما لا تزال حقبة ثورة 1979 بقيادة ملالي طهران وأعوانهم في المنطقة تجد وتجتهد في تصدير الثورة المزعومة عبر التجنيد العدواني المباشر وبالوكالة طمعا في السيطرة بنشر الفوضى وإعادة ترتيب أوراق المنطقة السياسية وفقا لأجندة مذهبية متطرفة موغلة في الإرهاب. تهتم "رؤية المملكة" اقتصاديا واجتماعيا (2030) بتعظيم الفوائد الإصلاحية لتشمل القاصي والداني عبر استثمارات مدروسة تستهدف الشرق والغرب على حد سواء، ولا تغفل أصدقاء المنطقة والأشقاء في الدين والعروبة.
لتكون السعودية بالنسبة لمحيطها القريب كما البعيد حصان الرهان الرابح سياسيا واقتصاديا بشهادة مؤسسات اقتصادية ومالية دولية مرموقة وأفراد مختصون كالدبلوماسي ورجل الأعمال الأمريكي دينيس روس الذي كتب مقالا بعد زيارة قصيرة كان عنوانه "السعودية الجديدة التي فاجأتني"، وغيره كثير يرون في السعودية وفي شبابها الذي يمثل أكثر من 70 في المائة وصفة مثالية لمستقبل أكثر تفاؤلا مقارنة بما يعيشه العالم الغربي من بوادر شيخوخة واضحة أو ما يعيشه محيطها اليوم من ويلات الحروب والتدخلات والتهجير الممنهج على أيدي أنظمة متطرفة وفاشية تعيد للأذهان حقبا فاشية ونازية مر بها العالم ولا تزال مآسيها محفوظة في ذاكرة أبناء الأرض بكثير من الألم والفقد.

مرحلة جديدة
وهنا يصبح حديث الأمير محمد بن سلمان لإغناتيوس محرر صحيفة "واشنطن بوست" المرافق لوزير الدفاع الأمريكي في زيارته الأخيرة للمملكة بمنزلة إعلان وتدشين لحقبة دبلوماسية وسياسية غاية في الأهمية تنتظر من العالم أن يغتنمها. بمن فيهم روسيا الاتحادية التي أشار إليها الأمير صراحة في حديثه مع دعوة واضحة بضرورة أن تراجع موسكو قائمة أولويات حلفائها في المنطقة. فالرهان على حقبة 79 الموغلة في إرهابها وفي علاقاتها المشبوهة مع بعض الأنظمة القاتلة والمضرة يعد من الالتفات إلى الماضي والتمسك بمكاسبه الوهمية الزائلة حتما مع ظهور حقائق جديدة على الأرض لعل من أنصعها وضوحا السعودية الفتية 2030 بكل ما تحمله من وعود وثمار منها ما بدأ ينضج فعليا قبل موعده تبعا لتضافر جهود قيادة حكيمة إضافة إلى تفهم المواطن ورغبته المشاركة في رفعة وطنه.
"التوازن مالي .. وتحقيقه اجتماعي"، عنوان سبق أن ظهرت به صحيفة "الاقتصادية" على صفحتها الأولى في تغطيتها قبل أشهر معدودة لإطلاق برنامج التوازن المالي أحد برامج التحول الوطني في إطار "رؤية 2030". وهو البرنامج الذي تهدف من خلاله القيادة السعودية إلى تحقيق توازن مالي في موازنتها العامة بحلول عام 2020. فيما كانت قراءة الصحيفة حينها تشدد على الجانب الاجتماعي.

بشائر النجاح
ورغم أن التوازن المالي لم يتحقق بعد بشكله التام إلا أن مؤشرات ومبشرات تحقيقه بدأت في الظهور، حيث ارتفعت الإيرادات غير النفطية بنسبة 46 في المائة من عام 2014 إلى عام 2016، بينما انخفض العجز في الميزانية عن طريق مراجعة بعض المشاريع وتخفيض المصاريف ومنها البدلات والعلاوات التي تعود اليوم بأمر ملكي كريم واقتراح مباشر من ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رئيس مجلس الاقتصاد والتنمية مع توقع بزيادة النمو بنسبة 12 في المائة هذه السنة.
المجلس المخول بقيادة دفة الاقتصاد السعودي منذ 15 شهرا فقط هي عمره الحقيقي حتى هذا اليوم وبحضور 21 وزيرا. يجتمعون بشكل دوري وفاعل أسبوعيا لمعالجة المشاكل الحاضرة وطرح الحلول الآنية والمستقبلية. خطى خطوات جادة وحثيثة في البحث عن حلول لمشكلة مزمنة طالما عاناها الاقتصاد السعودي ألا وهي مشكلة الاعتماد على مورد واحد فقط هو النفط.
وبالفعل تمكن المجلس بقيادة الأمير محمد بن سلمان وتوجيهات ودعم خادم الحرمين وولي عهده الأمير محمد بن نايف من المضي قدما في تنويع الموارد والإيرادات عبر تفعيل صندوق الاستثمار الوطني وفقا لاستراتيجيات مالية واضحة باتت تؤتي ثمارها الاستثمارية داخليا وخارجيا. فالسوق السعودية على موعد خلال الأيام المقبلة فقط مع 13 شركة أجنبية. فضلا عن سندات سعودية طرحت في الأسواق العالمية فتهافت على اقتنائها المستثمرون الأجانب ليصل الطلب عليها ما يقرب الأربعة أضعاف وفقا لآخر التقديرات.
تنمية جاذبة
وبهذه المعطيات الاقتصادية والمؤشرات المالية الإيجابية تنتفي الحاجة إلى إيقاف البدلات بالتزامن مع حاجة السوق السعودية إلى سيولة وقوة شرائية مقبلة توقعها محمد الجدعان وزير المالية السعودي في معرض تعليقه على القرارات الملكية الأخيرة. ليكون المواطن دائما هو آخر المتضررين وأول المستفيدين.
وكما تجاوزت القرارات الملكية الأخيرة مرحلة الشفافية النظرية لتلامس تخوم المحاسبة الفعلية مفعلة المادة الخامسة المختصة بمحاكمة الوزراء، لم تخل القرارات من ضخ دماء شابة جديدة في أوردة الحكومة توزعت على نطاق جغرافي وإداري واسع شمل مناطق المملكة ووزاراتها المتعددة ما يبشر بفعالية جديدة تحتاج إليها خطط البلاد الطموحة ورؤاها البعيدة تجاه استقرار دائم وتنمية مستدامة جاذبة للاستثمار وفرصه الداخلية والخارجية ليتحقق التوازن ويكتمل على المستويين المحلي والعالمي فيما يبقى الرهان دائما على حكمة قيادة ورغبة شعب.