أحمد الفراج

 ماذا قدَّم الرئيس ترمب حتى الآن؟! هذا هو السؤال الكلاسيكي التقليدي، الذي يطرح على كل رئيس، حيال ما قدَّمه خلال المائة يوم الأولى من رئاسته، وترمب ليس استثناءً، وقبل الإجابة على هذا السؤال، لا بد من التأكيد على أمرين، أولهما هو أنه ليس بالضرورة أن يقدّم الرئيس شيئاً كبيراً، خلال المائة يوم الأولى، ففترته تمتد لأربع سنوات، وقد يستغل الأشهر الأولى للتمهيد والترتيب لقرارات كبرى، دون تحقيق إنجازات جوهرية خلال هذه الفترة، وثانيهما خاص بترمب، فهو لاقى، ولا يزال يلاقي، حرباً شرسة من خصومه الديمقراطيين، وحرباً أشرس من الإعلام المنحاز، الذي لا يمكن أن يمر يوم، دون أن يفتري، وينتحل، ويسرّب ضد ترمب وإدارته، ويقلب الحق باطلاً والباطل حقاً، وبلا كلل ولا ملل.

ورغم كل ذلك، علاوة على تعطيل الديمقراطيين لإجراءات تعيين مرشحي ترمب، فإنه استطاع وسط كل هذا الضجيج من تحقيق بعض الإنجازات في سياسة أمريكا الخارجية، بعد ثماني سنوات عجاف، فقدت خلالها أمريكا هيبتها، وتنمّر فيها أشرار العالم شرقاً وغرباً، ويكفي مشهد إذلال إيران للجنود الأمريكيين، وشكر الجنرال أوباما لها على إطلاق سراحهم بعد حين، وهو المشهد الذي لا يمكن أن يسمح به أي رئيس أمريكي سابقاً أو لاحقاً، فقد أعلن ترمب عودة أمريكا العظمى إلى المسرح الدولي، ففي سوريا، وبعد أن استخدم نظامها السلاح المحرّم دولياً، ضربتها أمريكا ضربة رمزية، وهي لم تكن ضربة عسكرية تقليدية، بقدر ما كانت رسالة قوية للأسد ومن خلفه، في موسكو وطهران وبكين، بأن أمريكا أوباما ولّت إلى غير رجعة، وأن هناك شرطياً جديداً في واشنطن.

في الطرف الآخر من العالم، تحركت السفن الأمريكية لمحاصرة زعيم كوريا الشمالية، وهو مغامر خطر، تدعمه موسكو وبكين، ومرة أخرى تصل الرسالة واضحة إلى خصوم واشنطن التقليديين، ولم يكتف ترمب بالحراك العسكري، فقد تحرك دبلوماسياً لتعديل تحالفات أمريكا الإستراتيجية في الشرق الأوسط، والتي كاد أن يدمرها أوباما، فقد عادت اللهجة الدبلوماسية الحادة بخصوص سلاح إيران النووي، كما عادت لحد كبير، علاقات أمريكا مع حلفائها الخليجيين، خصوصاً المملكة، ويوحي كل شيء إلى عودة التحالف لسابق عهده، أي ما قبل عهد أوباما، الذي كرس سنوات طويلة لإنجاز الاتفاق النووي مع إيران، على حساب علاقات دولته التاريخية مع دول الخليج، ومع كل ذلك يجب التأكيد على أن الوقت لا يزال مبكراً، إذ يحسن أن ندرك بأن هذه البوادر الإيجابية من إدارة ترمب، تستوجب عملاً دبلوماسياً حثيثاً على جبهات عدة، وإستراتيجيات مدروسة بعناية، من أجل البناء على هذه البدايات الجيدة من إدارة ترمب تجاه المملكة، وأظن القيادة، والقائمين على الدبلوماسية السعودية سيسيرون في هذا الاتجاه!