نانيس عبد الرازق فهمى

مع مرور الوقت يتضح أن التفاعل بين الإرهاب وسياسات القوى الإقليمية هما مصدرا التهديد الرئيسيان فى الإقليم العربى فضلا عن التنافس الدولى على الإقليم ككل .ومع استمرار ما يعانيه الإقليم من تداعيات أحداث الثورات العربية منذ 2011 تتوقع بعض الدراسات أن مستقبل منطقة الشرق الأوسط خاصة المنطقة العربية يدور حول ثلاثة سيناريوهات حتى عام 2025 على الوجه التالي:

وفقا للسيناريو الأول تواجه الدول العربية تحديات خطيرة من حيث زيادة التدهور والانهيار واستمرار التهديدات الإرهابية، واستمرار العنف و الصراعات التى طال أمدها فى سوريا، لبنان،وفلسطين العراق، اليمن، و ليبيا وغيرها مما يٌبقى المنطقة عالقة فى فخ الصراعات وتؤجل الإصلاحات إلى الأبد لأسباب أمنية، ، مما يعيق ليس فقط التكامل الإقليمى بل ايضا التنمية الاقتصادية الموضوعية للمنطقة ككل.

أما السيناريو الثانى يدور حول تفجر وتراجع أوضاع العالم العربى على عدة جبهات، ويزول التقدم الكبير المحرز خلال القرن العشرين،فتدخل المنطقة كلها فى اضطرابات خطيرة. وتركز على محاربة الإرهاب أيا كانت التكاليف ، وتهمل الدول العربية أهمية تنفيذ الإصلاحات التى من شأنها-تحقيق التنمية الاقتصادية وتحقيق النمو وتعزيز الاستقرار ويسود جو مزيج من انعدام الأمن وعدم الاستقرار، ويزداد تأثير ارتفاع أسعار الغذاء مما سيؤدى إلى شلل اقتصادى لمعظم الدول العربية.

السيناريو الثالث يدور حول تحقيق التغيير والخروج من دائرة الظلام من خلال التعاون الاقتصادى والاجتماعى والأمنى وهو السبيل الوحيد للتوصل الى حلول لكل الأزمات إذا ما رغبت الدول العربية فى تحقيق تقدم ،مما يؤدى الى التكامل السياسى أيضا .

الدول العربية يشترك فى سمات وخصائص كثيرة يقل وجودها بين أعضاء اقليم واحد او منظمة إقليمية واحدة ، ومع ذلك لا يجمعهم شيء ولا يتفقون على شيء ، حتى على مرشح عربى واحد لمنصب مدير عام منظمة اليونسكو لم يتفقوا عليه بل قدمت الدول العربية أربعة مرشحين، وأظهروا انقساما و استمرارا للاختلاف والخلاف العربى والسعى وراء المصالح الضيقة دونما اعتبار للحظة الفارقة التى يمر بها الاقليم العربى والخطر الداهم الذى يواجه الإقليم بكامله الآن ، وحتى عند إدانة الجامعة العربية للضربات العسكرية التى تلقتها بعض الدول أعضائها ، لم تتخذ الجامعة العربية موقفا موحدا حيال ذلك ولم تعكس موقفا عربيا واحدا ، ففى حين أدانت الضربة العسكرية التركية لشمال العراق ، لم تدن الاختراقات والضربات العسكرية الأمريكية والاسرائيلية لأجواء سوريا ،والتى قررت الجامعة العربية نفسها تعليق عضوية سوريا منذ 2011 على الرغم من ترددها الدائم فى اتخاذ خطوات سواء تأييدا او رفضا للثورات العربية، واستمرار غياب سوريا عن الاجتماعات العربية . جامعة الدول العربية لا يمكن عزلها عن كل ما يحدث فى المنطقة العربية واذا لم تكن استجابتها منذ أحداث الثورات العربية على النحو المطلوب بل وترددها فى اتخاذ أى خطوات فاعلة تجاه هذه الأحداث ، فقد آن الأوان لكى يحدث التغيير الحقيقى داخل الجامعة العربية ، آن الأوان لكى تشعر بالخطر والتهديد ومعاناة المواطن العربى الذى أصبح أكثر من 53% من اللاجئين فى العالم من المنطقة العربية ولاسيما من سوريا. وهناك مسؤلية تقع على الدول العربية التى مازالت صامدة ومحافظة على وحدتها الوطنية ولها خبرة فى الإصلاح الداخلى وتحقيق الاستقرار ، فضلا عن أن منها من قدم اقتراحات من أجل تحقيق الأمن والحرب على الارهاب، لترك الخلافات الثنائية تحقيقا لمصلحة عامة وشاملة لانقاذ ما يمكن إنقاذه وتحقيق تعاون أمنى واقتصادى كنواة لدفع وتفعيل الجامعة العربي. أى طريق يريد أن يسلكه العرب فى ظل إستمرار تهديد البقاء والوجود وتصفية الحسابات على الأراضى العربية بين تحالفات اقليمية ودولية وإحتمال قيام حرب عالمية ثالثة على الأرض العربية فى ظل وجود قوات وعناصر عسكرية إقليمية ودولية فى بعض الدول العربية سواء على أراضيها أو فى مياهها الإقليمية ،كما أصبح الاقليم العربى ساحة تنافس على مقدراتها الدول الكبرى والإقليمية ، وما شكله ذلك من تدخل لهذه الدول فى مجريات الإقليم.

إذا أردوا تحقيق السيناريو الثالث يتطلب أن تمر جامعة الدول العربية، بعملية مراجعة رئيسية تقضى بتطور حقيقى لها لتنهى الصراع الذى نشأت عليه الجامعة العربية بين التيارين القطرى والقومي، وتعلو بذلك موجة الأمن القومى العربى ،حتى تستطيع تنفيذ قراراتها ويكون لديها سلطة لفرض العقوبات على الدول غير الملتزمة بهذه القرارات وقد يكون هذا التغيير الجذرى مناسبا لمكافحة الإرهاب الذى يواجهه الإقليم العربى ككل ،وسبيلا للحفاظ على وحدة الدول الوطنية .

ولن يتسنى للجامعة العربية ذلك قبل توافر إرادة أعضاؤها لأن المنظمة الإقليمية هى أعضائها ، إن أرادوا لها القيام بدور ستفعل ، وإن لم يريدوا فلن تفعل ..... ما الذى يريده العرب؟!...