جون أوثرز 

إذا كان هناك وقت تكون فيه الأسواق عصية على الفهم، فهو الآن. فمنذ انتخاب دونالد ترمب العام الماضي، واهتمام العالم يتركز عليه. وفي الوقت الذي أثارت فيه الأحداث في واشنطن مثل هذا التركيز، أصبح الاتجاه هو أن ننظر إلى الرئيس عند البحث عن تفسير للأشهر القليلة المحمومة في الأسواق العالمية.


لكن سرد السوق لا يتناسب مع السرد السياسي. في الأسبوع الماضي تجاوزت الأسواق الأمريكية اثنين من المعالم التي تبدو غير متوافقة مع الدراما السياسية. أولا، وصل مؤشر ناسداك المُركب إلى 6000 نقطة. هذا كان حدثا افترض كثير من المستثمرين المتمرسين أنهم لن يعيشوا لرؤيته. وصل مؤشر ناسداك المليء بشركات التكنولوجيا إلى ذروته عند 5000 نقطة في أوائل عام 2000، خلال فقاعة الدوت كوم. وأشارت السوابق التاريخية إلى أنه بعد هذه التجاوزات القائمة على المضاربة يُمكن أن يستغرق أكثر من ربع قرن لينتعش.
أسهم التكنولوجيا لم تنتعش فحسب، بل هي تقود السوق الآن. جميع أسهم "فانج" - فيسبوك، وأمازون، نيتفليكس، وجوجل - حققت أرقاما قياسية جديدة الأسبوع الماضي. وعند إضافة أبل ومايكروسوفت، نجد أن ست شركات تكنولوجيا فقط تُمثّل 29 في المائة من الارتفاع في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 منذ تنصيب ترمب.
إذا كان هذا يبدو مثل "الاندفاع غير العقلاني" على غرار التسعينيات، فهذا يفترض أن يكون وافيا بالغرض. استطلاع أجرته جامعة ييل وجد أن غالبية المستثمرين يعتقدون في وقت واحد أن السوق مُكلفة فوق الحد وأن الأسهم سترتفع أكثر. سيكولوجية "مُكلفة جدا، لكن يُمكن بيعها لإنسان أغبى منك قبل الانهيار" هي سمة مميزة لتجاوزات المضاربة الخطيرة.
مع ذلك الإثارة الناشئة عن انتخاب ترمب، التي أدت إلى "تداولات ترمب" ضخمة في الأسابيع الأولى بعد الانتخابات، تبددت الآن. الشركات التي تدفع أعلى المعدلات الضريبية، وبالتالي التي ستكون أكثر الشركات المستفيدة من تخفيضات الضرائب، تخلّفت عن الشركات التي تدفع معدلات ضرائب قليلة. وما أن انهارت أول محاولة لإصلاح الرعاية الصحية توقف المستثمرون إلى حد كبير عن انتظار إصلاح ضريبي وشيك. الإطلاق الساحق للسياسة الضريبية الأسبوع الماضي لم يُغيّر رأيهم. قد تكون هناك بعض الهستيريا في الأسواق، لكنها ليست هستيريا سببها ترمب.
هذا يجلبنا إلى المَعلَم الآخر للأسبوع. يوم الخميس، مؤشر فيكس - "مقياس الخوف" في وول ستريت الذي يقيس مقدار ما يدفعه المستثمرون للتحوّط ضد التقلب في المستقبل - انخفض إلى أدنى مستوياته منذ ثلاثة أعوام. باستثناء يوم واحد في عام 2014، وصل مؤشر فيكس إلى أدنى مستوياته منذ الأزمة المالية قبل عقد من الزمن – وهو أمر لافت للنظر إلى حد كبير حين تكون المواجهات النووية المحتملة تتصدّر العناوين الرئيسة.


يُمكن أن يتفق الأصدقاء والأعداء على حد سواء أنه ليس من أسلوب ترمب تهدئة الأمور. في الوقت الذي تهيئ فيه الفرص، أفعاله خلال الأيام الـ 100 الماضية ينبغي أيضا أن تُثير المخاطر المتصوّرة، والتقلب. فما الذي يحدث؟
أفضل تفسير هو أنه على الرغم من ميلنا إلى أن نعزو كل شيء إلى ترمب، إلا أن سلوك السوق ليس مسؤوليته. ارتفعت الأسواق الأمريكية بثبات منذ عام 2009. لا أحد يعزو هذا أساسا للرئيس السابق باراك أوباما. الدوافع الرئيسة كانت البنوك المركزية التي كانت تشتري السندات، وأبقت أسعار الفائدة منخفضة. هذا جعل الأسهم تبدو أكثر جاذبية.
الاحتياطي الفيدرالي يُزيل بلطف سياسته النقدية السهلة، لكن أسعار فائدة أقل من 1 في المائة لا تفعل شيئا يُذكر لكبت النمو. في الوقت نفسه، لا يزال مسؤولو البنوك المركزية في منطقة اليورو واليابان يقدّمون التحفيز. المال غير قابل للاستبدال، والمستثمرون في تلك المناطق يسعون للحصول على أفضل أسعار للفائدة يُمكنهم العثور عليها، التي هي في الولايات المتحدة.


هناك لاعب واحد أقوى حتى من البنوك المركزية: سوق السندات. آلية التوازن العادية للأسواق من شأنها أن تشهد ارتفاعا في النمو يُقابله ارتفاع في عائدات السندات. بعد ارتفاع من أدنى المستويات التاريخية عقب استفتاء "خروج بريطانيا"، هذا لم يحدث. العائدات انخفضت. هذا يُمكن أن يكون علامة على عوامل فنية، مثل عمليات الشراء التي تنفذها البنوك المركزية، أو الطلب الأعلى على السندات من السكان كبار السن. أو يُمكن أن يعني أن أسواق السندات غير مقتنعة بالحجة التي تقول إن النمو مقبل. في الوقت الحالي لا تزال سوق السندات تدعم الحماس للأسهم.
هناك عامل آخر سهل النسيان هو أرباح الشركات. في الأسابيع الأخيرة كشفت الشركات بشكل عام عن نمو سليم في الأرباح والإيرادات. هذا يُمكن أن يكون مبالغا فيه، لكنه يدعم أسعار الأسهم. أسعار الفائدة المنخفضة وارتفاع الأرباح يعملان على تهدئة المستثمرين ويدفع مقياس الخوف إلى أدنى.
كيف يمكن لأي من هذه العوامل تفسير التدافع على أسهم شركات التكنولوجيا؟ في حين أن الشراء عند هذه المستويات هو لعبة خطرة، إلا أن هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى هي علامة على حساب مختلف وأقل إثارة من طفرة التسعينيات. حين يكون النمو نادرا يدفع المستثمرون مزيدا مقابل الشركات التي تتمتع بالنمو. وشركات التكنولوجيا تحقق النمو، بل تشير الأرقام من كبرى شركات أشباه الموصلات إلى أن مزيدا من النمو في الطريق. وعندما تتركز السوق حول مجموعة صغيرة من الأسهم، فهذا علامة فريدة ومعروفة على غياب الثقة.
المستثمرون الذين يظنون أن الأسهم مكلفة فوق الحد، لكنها ستشهد مزيدا من الارتفاع، لا يراهنون على أن باستطاعتهم العثور على "شخص أغبى منهم"، بل يراهنون على أن أسعار الفائدة ستبقى منخفضة، وأن أرباح شركات التكنولوجيا ستظل أقوى من أرباح أية شركات أخرى، وأن ضجيج الجيوسياسة يمكن عدم الاكتراث به واعتبار أنه مجرد ضجيج. 
هذا موقف خطر وغير مريح، لكنه قابل للاستدامة في الوقت الحاضر. وفي أول 100 يوم له في الرئاسة، لم يسبب ترمب المشاكل.