نصر الله يسقط «التأهيلي» بسلاح جنبلاطي فكيف ستتعاطى الحكومة مع طروحاته الانتخابية؟

محمد شقير 

لن تغيب التداعيات المترتبة على موقف الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله عن جلسة مجلس الوزراء اليوم، المخصصة للبحث في قوانين الانتخاب، خصوصاً أنه أجرى مقاربة للقانون تناقض المشروع الانتخابي الذي طرحه حليفه في «ورقة التفاهم» رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل القائم على تقسيم لبنان دوائر انتخابية على أساس اعتماد النظام النسبي شرط التأهيل للترشح لخوض هذه الانتخابات في القضاء على قاعدة المشروع الأرثوذكسي الذي يُحصر الاقتراع فيه طائفياً.

وموقف نصر الله، من وجهة نظر الكثيرين، ما هو إلا إسقاط لمشروع باسيل معتمداً بشكل أساسي على رفض رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط إياه، وإن كان حرص على المساواة في الهواجس بين المسيحيين والدروز.

ويؤكد معظم الذين أجروا قراءة متأنية لمضمون موقف نصر الله من المشاريع الانتخابية، أن الأخير اختار اللحظة القاتلة وقبل ساعات من احتمال طرح مشروع باسيل على التصويت في مجلس الوزراء اليوم، ليقول لحليفه إن مشروعك غير قابل للتسويق ولنبادر إلى البحث بمشروع آخر.

وبكلام آخر، يرى هؤلاء أن نصر الله ضرب بيده على الطاولة موجّهاً كلامه بطريقة غير مباشرة لباسيل ليقول له، من الأفضل سحب مشروعك من التداول بعد أن أسقطه «فيتو» جنبلاط.

ويقولون أيضاً إن نصر الله أحسن في استخدامه «فيتو» جنبلاط، وإن لا مجال لتسويق مشروع باسيل لعل صدى رسالته إليه يصل إلى مسامع رئيس الجمهورية ميشال عون قبل انعقاد جلسة اليوم، إضافة إلى أنه حمى حليفه رئيس المجلس النيابي نبيه بري.

ويرى أصحاب القراءة المتأنّية أن مشكلة باسيل تكمن في أن حساباته لم تكن صائبة، ويعزون السبب إلى أنه أخذ يتعامل مع المواقف من مشروعه وكأن هناك إمكاناً لإدراجه على بساط البحث في الجلسة وصولاً إلى التصويت عليه بنداً عادياً على جدول أعمالها مشابهاً لبند يتعلق بالموافقة على هبة مقدّمة للدولة اللبنانية يعطي الحق لمن يعترض عليها، لكن القرار حيالها يُتخذ في مجلس الوزراء من خلال اللجوء إلى التصويت.

فنصر الله، وفق هؤلاء، تعامل مع قانون الانتخاب على أنه بند تأسيسي لإعادة تكوين السلطة في لبنان وبالتالي لن تحل المشكلة في الاحتكام إلى التصويت، إضافة إلى أن حليف باسيل في «إعلان النيات» رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع وإن كان يعتقد أن آخر الدواء الكي، أي التصويت، فهو في المقابل لا يؤيد العجلة في حرق المراحل باعتبار أن التصويت في ظل تعذُّر التوافق هو دستوري، ويدعو إلى تمديد الفرص لعلها تتيح التفاهم على قانون انتخاب جديد.

كما أن نصر الله رغب في توجيه رسالة لباسيل بأن لا مصلحة في اللجوء إلى خيار الشارع لحسم الخلاف حول القانون، لأن لدى من يعارضه شارعه أيضاً. كما أن تحذيره من دفع الأمور في اتجاه حافة الهاوية ليس في محله، باعتبار أن البلد هو الآن في الهاوية وهذا يستدعي التعاون لإخراجه من التأزُّم السياسي.

لكن الجديد في موقف نصر الله يكمن في أنه فتح الباب أمام التوافق على أي قانون يمكن أن تلتقي حوله الأطراف، وأن لا مشكلة لدى «الثنائي الشيعي» في السير به، وأن مجرد إطلاقه مثل هذه الإشارة، وللمرة الأولى، يعني أن لا مشكلة في إعادته النظر في مشروع الحزب القائم على اعتماد النسبية الكاملة على أساس جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة.

واعتبر بعض من أجروا قراءة متأنية لخطاب نصر الله، أنه يتوجّه إلى المسيحيين والدروز على السواء لتبديد هواجسهم حيال مشروع الحزب، مبدياً استعداده للوصول إلى تسوية، مذكّراً بأنه أيّد المشروع الأرثوذكسي لتأمين صحة التمثيل المسيحي في البرلمان لكن طرفاً مسيحياً تخلى عنه، في إشارة إلى «القوات».

ورأوا أن نصر الله، وإن كان عمد إلى عدم الاستخفاف بهواجس المسيحيين، فإنه مهّد الطريق أمام تجديد تحالفه مع جنبلاط الذي تمر علاقته برئيس الحكومة سعد الحريري بفتور، وإن كان تجنّب الإشارة إلى أي موقف سلبي من تيار «المستقبل»، وأكدوا أن نصر الله بعدم تمسُّكه بالنسبية الكاملة أوجد مساحة سياسية مشتركة يمكن التأسيس عليها للوصول إلى قانون يرضي الجميع، ناهيك بأن الإشارات التي أطلقها في اتجاه حليفه باسيل، وإن لم تكن مباشرة، تصب في خانة تعويم موقف حليفه رئيس البرلمان، خلافاً لحسابات رئيس «التيار الوطني» الذي اعتبر أن تأييد الحزب النظام التأهيلي ما هو إلا بداية لإحداث شرخ داخل «الثنائي الشيعي».

كما أنه صارح باسيل بأن موافقة الحزب على التأهيلي يجب ألا توظف تارة في الاستفراد ببري وأخرى في محاصرة جنبلاط، فهل يتخلى وزير الخارجية عن نبرته العالية في مخاطبة من لا يدعم مشروعه وينكفئ إلى مراجعة حساباته، خصوصاً أن لا جدوى من إقحام البلد في اشتباك سياسي بلوثة طائفية، لأن الانقسام حول قانون الانتخاب لم يكن طائفياً ولا يؤشر في المطلق إلى إعادة الاصطفاف السياسي إلى ما كان عليه في الماضي بين قوى «14 آذار» وقوى «8 آذار» في ضوء إعادة خلط الأوراق بعد انتخاب عون رئيساً للجمهورية؟

وعليه، هل سيأخذ باسيل برسالة نصر الله؟ وكيف سيتصرف في جلسة اليوم، خصوصاً أنها ستبقى في حدود تبادل الآراء حول المشاريع الانتخابية، إلا إذا حاول هذا الطرف أو ذاك أن يقلب الطاولة، مع أنه سيصطدم برفض من معظم أعضاء الحكومة؟ وهل ستتيح المعطيات الجديدة لرئيس الحكومة أن يمسك مجدداً بزمام المبادرة على قاعدة طي النقاش في مشروع باسيل الذي يبدو أنه أصبح من الماضي ولا مجال لتعويمه؟

لذلك، ستكون الجلسة اليوم موضع اهتمام محلي وخارجي مع اقتراب موعد انعقاد الجلسة النيابية التي حددها رئيس البرلمان، الذي لن يغامر بعقدها في حال غياب مكون سياسي أو أكثر عنها، إلا أن تكون مخصصة للتمديد للمجلس النيابي على قاعدة أن الفراغ ممنوع في السلطة التشريعية.

وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أن نصر الله، وإن كان أراد التوجُّه إلى حلفائه، فإنه في المقابل أوصى في شكل قاطع بأنه من غير الجائز لهذا الطرف أو ذاك أن يستأثر بوضع قانون انتخاب، خصوصاً أن الاستقواء بالشارع لم يعد يجدي نفعاً.

ومع أن هناك من يعتقد أن الأجواء التشاورية التي يفترض أن تطغى على الجلسة اليوم، بعد أن تقرر خفض جدول أعمالها إفساحاً في المجال أمام التداول في مرحلة ما بعد انعقادها، إلا أنها ستفتح الباب أمام الحريري من أجل تنشيط مروحة اتصالاته باعتباره الأقدر على لعب دور توفيقي بالنيابة عن الحكومة بعد أن احترقت ورقة باسيل الانتخابية ولن تشكل مرحلة الفتور التي شابت علاقته ببري وجنبلاط عقبة في وجه استعادته زمام المبادرة، لأنه تم تجاوز أسباب الخلاف الذي أوجده مشروع وزير الخارجية الذي يتعارض مع روحية اتفاق الطائف، وبات ترحيله عن جدول أعمال المشاورات أمراً محتوماً ولا مجال للعودة إليه أو مجرد استحضاره، إلا إذا قرر أن يسير في الاتجاه المعاكس ولا يأخذ بنصيحة حليفه السيد نصر الله، وبالتالي سيجد نفسه وحيداً في مواجهة الآخرين.