سمير عطا الله

يبحث متصارعو الانتخابات عن نقاط الضعف عند منافسيهم مثلما يفعل متصارعو الحلبات. ضبطت مارين لوبان منافسها إيمانويل ماكرون وهو يقول: «ليس هناك ثقافة فرنسية، بل هناك ثقافة في فرنسا». حقاً؟ يا للهول. في هفوة فاضحة، محا المسيو ماكرون، سمعة أثينا المعاصرة، و«مدينة الأنوار».


ربما كان ماكرون يقصد أن باريس كانت «أيضاً» عاصمة الأدباء والشعراء والمسرحيين والفنانين الذين جاءوا إليها من أنحاء العالم لكي يبدأوا منها الطريق إلى الشهرة. تفضل عدّ: إرنست همنغواي، جيمس جويس، جورج أورويل، أبولينير، الروماني أيونسكو، جبران خليل جبران، هنري ميللر، راينر ماريا ريلكه، صامويل بيكت، غابرييل غارسيا ماركيز، جيمس بالدوين، رالف إمرسون، عزرا باوند، الخ... الخ...
لكن لماذا جاء هؤلاء إلى هنا في الأساس؟ جاءوا بسبب «الثقافة الفرنسية». بسبب أجيال من الشعراء والكتاب والمسرحيين والفنانين الذين جعلوا باريس حاضرة الأدب المعاصر. وجاءوا إليها لأن «الحياة الثقافية» الفرنسية كانت يوميات المدينة، ليس فقط في جامعاتها وأنديتها، بل أيضا في مقاهيها وعلى أرصفتها ومعاهدها الصغيرة.
ومن كان مارسيل بروست، وألبير كامو، ورامبو، وبودلير وفيكتور هوغو؟ لذلك، تقول لوبان عن المنافس الذي لا يقيم وزناً لكل هذا الثقل الفرنسي، إنه «مرشح المال» باعتباره مصرفياً سابقاً. لكن جورج بومبيدو، خلف ديغول، كان مصرفياً سابقاً هو أيضا. وخلفه فاليري جيسكار ديستان، الإداري والخبير المالي.
لكن لم يعرف عن أي سياسي، وربما عن أي ناقد، قوله إنه ليست هناك «ثقافة فرنسية»؟ رفع الاستعمار الفرنسي شعار «التمدن» استناداً إلى ما كان يعتبره تراثه الثقافي. ونقل معه «أدوات» الثقافة من مناهج ومدارس ومعاهد وجامعات. وهذه كلها كانت تنشر «الثقافة الفرنسية» وليس أي «ثقافة في فرنسا».
ربما كان على ماكرون أن يكون أكثر إيضاحاً، وليس فقط أكثر تواضعاً. فهل سيكون هذا موقفه من «الفرنكوفونية» غداً إذا فاز؟ إنها الرابطة الثقافية التي لا تزال تجمع بين المستعمرات السابقة والدول المتحدثة (وليس الناطقة) بالفرنسية. وتصريح ماكرون، أو موقفه، هو نقض لها.
إن مثل ذلك كمثل القول: هناك ثقافة في لبنان، ولكن ليس هناك ثقافة لبنانية، لأن عدداً كبيراً من شعراء وأدباء العرب عاشوا، أو أنتجوا، في بيروت. هذه لا تلغي تلك، بل تزيدها غنى..