إبراهيم العريس 

يبدو أن تظاهرة «أسبوعي المخرجين» التي تقام عادة متمتعة بشيء من الاستقلال ضمن إطار مهرجان «كان» السينمائي، لم تشأ أن تنتظر دورتها الخمسين التي ستقام في العام المقبل، حتى تقدم واحدة من أغنى دوراتها منذ زمن طويل. فعلى رغم أن من الملائم دائماً انتظار رقم الخمسين لحشد الطاقات والأسماء الكبيرة والأعمال الجيدة لمناسبته،

تمكنت هذه التظاهرة التي يغلب عليها عادة الطابع الفني وحتى «النضالي» الذي قد يذكّر البعض بأيام الستينات الجميلة يوم ولدت التظاهرة في حمأة الصخب السياسي والاجتماعي لتثبت حضورها منذ ذلك الحين، عاماً بعد عام، كنوع من المختبر لمواهب جديدة وأكيدة في عالم السينما، تمكنت هذا العام من الحصول على برنامج قيّم. ولا بد من التذكير بأن هذه التظاهرة لم تعرف على مدى دوراتها المتعاقبة، فقط كيف تقدم وجوهاً جديدة من مخرجين آتين من شتى أنحاء العالم باحثين، من ناحية عن جمهور مثقف ومتطلب، بل كذلك، عن مقفز يقود هؤلاء الى المستويات التي يفترض أنها أعلى. وفي هذا السياق، سيكون من العبث وضع لائحة بالسينمائيين الكبار الذين بدأوا خطواتهم الأولى هناك.

لكن الأهم من هذا هو أن ثمة من بين المخرجين الكبار حقاً، من يفضلون بين الحين والآخر، وحتى بعد مرورهم المدوّي في المسابقة الرسمية أو العروض التكريمية الخاصة، يفضلون لفيلم خاص لهم أن يعرض في «أسبوعي المخرجين» على أن يعرض في صالات النجوم - نجوم الإخراج أو نجوم التمثيل! وحسبنا هنا أن نذكر مثلاً حالة فراسيس فورد كوبولا، المخرج الذي يعتبر عراب السينما العالمية وعميدها الأكبر، ومع هذا لم يتوان عن اختيار «أسبوعي المخرجين» ليعرض فيهما أفلاماً جديدة له تتسم على أي حال بصبغة فنية حميمية، مثل «تيترو».

 

أسماء راسخة

إذاً، هذا العام، وفي انتظار مفاجآت خمسينية العام المقبل، يقدم برنامج «أسبوعي المخرجين» عدداً من الفاعليات التي قد يُدهش المرء إذ يراها هنا، وليس في القصر المهرجاني الكبير. فمن بين الأسماء الراسخة، والتي سبق لبعضها أن شارك في المسابقة الرسمية المعتبرة «أرفع تظاهرات المهرجان» قيمة، نجد هذا العام آبيل فيرارا الأميركي الذي ترنو أكبر مهرجانات العالم، الى عرض جديده. فهو يقدم هنا هذه المرة فيلمه الجديد «حيّ في فرنسا». والليتواني شاروناس بارتاس، الذي بعد مشاركات لافتة له في المسابقة، يعرض في «الأسبوعين» جديده «فروست». أما الفرنسي برونو دومون الذي يعتبر منذ سنوات قيمة راسخة في أهم تظاهرات «كان» فإنه، وبعد عام فقط من مشاركته في المسابقة الرسمية بفيلمه الصاخب والطريف «ما لوت»، يعود اليوم في «أسبوعي المخرجين» ليعرض جديده «جانيت، طفولة جان دارك» المقتبس عن رواية مشاكسة للكاتب الفوضوي شارل بيغي، وقد حُوّلت هنا الى كوميديا موسيقية من بطولة جولييت بينوش، جيرار ديبارديو وفاليريا بروني تديسكي!

 

فرنسيون

لكن دومون ليس الوحيد الذي يؤمن حضوراً فرنسياً لافتاً في التظاهرة، فهناك الى جانبه اسم راسخ آخر هو فيليب غاريل الذي يعود بفيلمه الجديد «عاشق ليوم واحد» الذي حققه بالأسود والأبيض. وكلير ديني التي تعرض «شمس حلوة جوّانية»، فيما تعرض كارين تارديو كوميديا شعبية بعنوان «انزع الشكّ مني»، وتشارك المنتجة الإذاعية الفرنسية صونيا كرونلند بالفيلم الوثائقي «ناثنغوود» الذي تتحدث فيه عن إحدى نجوم السينما الجماهيرية الخالصة في.... أفغانستان!

ولكن إلى جانب هذا الحضور الفرنسي الكثيف واللافت، يمكن الإشارة الى الضآلة النسبية لعدد الأفلام الأولى في التظاهرة الأكثر نخبوية في «كان» حيث ليس هناك سوى خمسة أفلام أولى لأصحابها منها الفيلم الوثائقي الذي أشرنا إليه، وفيلم «قلوب صافية» للإيطالي روبرتو دي باوليس، و «أنا لست ساحرة» لرنغانو نيوني، و «دفاع التنين» لناتاليا سانتا و «باتي كيكس» لجيريمي جاسبرز الذي سيكون فيلم اختتام التظاهرة مقابل افتتاحها بفيلم «شمس حلوة جوّانية». أما بقية عروض التظاهرة نفسها فتضم مجموعة من أفلام قيد الاكتشاف، من بينها جديد السينمائي الإسرائيلي المشاكس عاموس غيتاي بعنوان «غربي نهر الأردن»، وفيلم «بيوت نقالة» لفلاديمير دي فونتناي و «مارلينا القاتلة في أربعة فصول» لسوريا مولي، و «الدخيلة» لليوناردو دي كوستانزو، و «فلوريدا بروجكت» لشون باكر.... و «آ تشيلنبرا» لجوناس كاربينيانو و«بوشفيك» لكاري مورنيون وجوناثان ميلوت.

 

و... لبنانيون

كل هذه، بالطبع سينما للاكتشاف تتأرجح بين أعمال لأسماء معروفة وأعمال أخرى لأسماء أقل شهرة أو حتى مجهولة تماماً. ولكن، من المؤكد، وكما جرت العادة دائماً، أنها ستكون بعض الأسماء الكبيرة في السينما العالمية خلال السنوات المقبلة.

ولكن لئن كانت السينما العربية غائبة، بشكل غير متوقع، عن دورة هذا العام لهذه التظاهرة التي كثيراً ما شهدت في أعوام سابقة عروضاً عربية لافتة حملت تواقيع تتراوح بين الراحلين محمد خان وعاطف الطيب، والسوري أسامة محمد، والفلسطينيين ميشيل خليفي وشيرين دعيبس واللبنانية نادين لبكي... فإن ما يحمل شيئاً من العزاء، إعلان إدارة التظاهرة عن أن برنامجها الذي بات سنوياً منذ سنوات ويدور من حول فكرة «مصنع الأفلام» في بلد ما، يكرّس هذا العام للبنان، بعدما كُرّس في الأعوام الثلاثة السابقة لتايبيه وبلاد الشمال والشيلي. ويضم البرنامج هذا العام أربعة أفلام ذات إنتاج ثنائي مشترك هي على التوالي من إخراج اللبناني أحمد غصين والفرنسية لوسي لاكيميا، ثم اللبنانية مونيا عقل والكوستاريكي إرنستو فيلالوبوس، واللبناني رامي قديح والبوسنية أونا غونياك، وأخيراً اللبنانية شيرين أبو شقرا والسويسري مانويل ماريا آلميريدا.

وأخيراً، على ذكر هذا الحضور اللبناني في هذه الدورة الكانية الجديدة التي ستبدأ فاعلياتها بعد دزينة من الأيام ، نذكر أن تظاهرة «كلاسيكيات كان» التي تعتبر نوعاً من التأريخ للسينما، وتعرض عادة نسخاً مرممة من أفلام سبق أن عرضت في دورات متنوعة على مجرى تاريخ المهرجان، تعرض هذا العام بين نحو دزينة من أفلام أخرى - سنعود اليها في كتابة لاحقة في الملحق لأهميتها التاريخية - فيلم «إلى أين؟» للبناني المخضرم جورج نصر، وهو فيلم حققه نصر في العام 1957 وتمكن عامها من عرضه في دورة ذلك العام للمهرجان.