سلمان الدوسري 

طبيعي أن يختار أي رئيس دولة في العالم زيارته الافتتاحية وفق مصالح بلاده، أما إذا فعلها رئيس الولايات المتحدة الأميركية فلا شك أن الدولة التي اختارها سيكون لها قصب السبق من هذه المصالح، وهكذا فعل الرئيس دونالد ترمب عندما اختار السعودية لتكون المحطة الأولى له خارجياً ليزورها،

وإذا كانت السعودية الدولة التي اختارها ترمب ليطلق من خلالها استراتيجيته الجديدة بالمنطقة والعالم الإسلامي، فإن الزيارة بالتأكيد لن تكون بروتوكولية كما غيرها من الزيارات الرسمية، فثلاث قمم سيعقدها الرئيس الأميركي في جدة تشرح بوضوح الرغبة «الترمبية» في إعادة تموضع الولايات المتحدة في المنطقة، ومحاصرة التمدد الإيراني، وكذلك نبذ التطرف والإرهاب، والتفريق جيداً ما بين المسلمين والمتطرفين. الزيارة وإن كانت مفاجأة سارة، على الأقل للغالبية لأن البعض لا يزال مصدوماً من اختيار المملكة تحديداً، فإن ساكن البيت الأبيض وجه رسائل إيجابية لحلفائه التاريخيين وشركائه بالمنطقة وللعالم الإسلامي أيضاً، كما وجّه رسائل تحذيرية لا تقل أهمية لإيران أولا وللجماعات المتطرفة والدول التي تدعمها ثانياً، وكذلك لكل أولئك الذين طاروا فرحاً ورقصوا بوصول ترمب معتبرينه بأنه خصم للسعودية وللإسلام، معتقدين أنه سيحقق مرادهم في إشعال المنطقة بالتوترات والأزمات، فخيّب ظنهم سريعاً، وفاجأهم بأنه أعاد سريعاً العلاقات بين واشنطن والرياض إلى مسارها الطبيعي كما لم يتوقعها أشد المتفائلين.
الحقيقة أن هذا الرجل لا يتوقف عن مفاجأتنا، فخلال أكثر بقليل من 100 يوم من رئاسته، استطاع أن يغير من نظرة العالم إليه شيئاً فشيئاً، وكأنه يفصل بين تصريحاته الانتخابية السابقة وبين مواقفه بعد دخوله البيت الأبيض، وها هو يمدّ يده للعالم الإسلامي، انطلاقاً من السعودية، بزيارة تاريخية يحقق منها هدفاً بإظهار أنه لا يعادي الإسلام، وإنما يعادي المتطرفين والإرهابيين، فاختيار السعودية كأول محطة هي محاولة لمواجهة الادعاءات الواسعة الانتشار بأن الرئيس الأميركي معادٍ للإسلام، خاصة عقبَ وعوده خلال حملته الانتخابية بحظر دخول المسلمين للولايات المتحدة، إلى جانب قراراته المتعلقة بقيود السفر، كما أنه ينفي، فعلا وقولا، المزاعم التي أنعشتها وساهمت في ترويجها جهات مقربة من إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، بأن السعودية قد تكون من الدول التي تغضّ الطرف عن الإرهاب، وهو حديث دار بقوة في وقت سابق من قبل وسائل إعلام أميركية، في الوقت الذي ستعكس زيارة ترمب المعادلة بالسعي لضمان مساعدة الرياض في مكافحة الإرهاب والتطرف.
فيما يخصّ التحالف السعودي الأميركي، فلا جدال أن نوعية وأسبقية الزيارة الرئاسية الأميركية كافية لإصلاح العطب الذي أصاب التحالف في الثماني سنوات الماضية، ومن الواضح أن زيارة ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن والتقاءه بترمب والنتائج التي تمخضت من تلك الزيارة، وضعت العلاقات السعودية الأميركية في مسار أقوى بكثير مما هي في العلن، وبدا أن نقاط الاتفاق بين البلدين أكثر من نقاط الاختلاف، كما كانت في مرحلة إدارة أوباما، ولعل في الرحلة المرتقبة للرئيس ترمب حرص أميركي على وضع بصمات للإدارة الجديدة في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى أن هذه الزيارة ستكون مؤشراً قوياً لمحاولة أكبر لعزل إيران، التي تصفها الإدارة الأميركية الجديدة بأنها أقوى داعم للإرهاب في العالم، والتي حذرها ولي ولي العهد السعودي بأن بلاده ستنقل المعركة إلى أراضيها في حال واصلت سياساتها التوسعية.
بقيت الإشارة إلى ما يسعى الإعلام «الإخوانجي»، كما وصفه ولي ولي العهد، كعادته، في التقليل من أهمية الزيارة والبحث عن نقاط الاختلاف في العلاقات العربية الأميركية لإبرازها، طالما أن السعودية هي في صدارة الأخبار، ومحاولة بث روح الإحباط والتشاؤم، وفي تقديري أن ردة الفعل هذه بالإضافة إلى أنها متوقعة، فإنها تثبت مجدداً أن تلك الوسائل تؤكد التهمة عليها ببحثها عن الإشاعات لترويجها والتكهنات لتعزيزها، وبالتالي تخريب أي محاولات لإعادة الاستقرار في المنطقة، أما المتشائمون والمتخوفون من سياسات ترمب المستقبلية، التي لا يعلم عنها أحد إلا الله، فنقول لهم ما قاله الإمام الشافعي:
إذا هبّت رياحُك فاغتنمها... فعقبى كلِ خافقة سكونُ. .