زهير فهد الحارثي

الوضوح المتنامي في الدبلوماسية السعودية، أخذ طريقه إلى كل مراكز صناعة القرار في العالم، الأمر الذي حوّل الرياض خلال الآونة الأخيرة لتكون رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه في صياغة القرارات المصيرية لجميع الملفات..

لم تأتِ زيارة ترامب للسعودية المقررة في 23 مايو من باب العلاقات العامة وإنما جاءت نتيجة عمل دبلوماسي سعودي تراكمي أثمر ليس فقط بقيام الرئيس الأميركي لأول مرة في التاريخ بزيارة دولة عربية أو إسلامية في أول زيارة خارجية له، بل أيضا بإعادة الحيوية للعلاقة التاريخية والإستراتيجية ما بين البلدين والتناغم حول قضايا المنطقة. لا بد من الإشارة للجهد الكبير الذي بذله ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان منذ زيارته لواشنطن قبل سبعة أسابيع ما عكس فاعلية الدبلوماسية السعودية وحضورها على المسرح الدولي في الآونة الاخيرة.

للزيارة رمزية ودلالات مهمة أولها التأكيد على أهمية الدور السعودي ومحوريته إقليمياً وعالمياً، وثقل وعمق المملكة عربيا وإسلامياً، ما يعني تعويل واشنطن عليها في القيام بأدوار مفصلية في تكريس الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي. الدبلوماسية السعودية تعيش مرحلة مختلفة وفاعلة وحاضرة على المسرح الدولي، فالجديد فيها أنها تستند إلى الواقعية السياسية عبر الوضوح والمباشرة وتسمية الأشياء بأسمائها دون أدنى مواربة. هذا الوضوح المتنامي في الدبلوماسية السعودية، أخذ طريقه إلى كل مراكز صناعة القرار في العالم، الأمر الذي حوّل الرياض خلال الآونة الأخيرة لتكون رقما صعبا لا يمكن تجاوزه في صياغة القرارات المصيرية لجميع الملفات.

نضوج الدبلوماسية السعودية أعطى للرياض هذا الحضور اللافت على الساحة الدولية، فهي من جهة تقود العالم العربي بمواجهة المشروع الفارسي التوسعي، ومن جهة ثانية تترأس التحالف الداعم للشرعية في اليمن، ومن جهة ثالثة بادرت بإنشاء تحالف إسلامي عسكري خاص بمكافحة الإرهاب، كما تشارك من جهة رابعة في التحالف الدولي الخاص بالحرب على داعش في سورية والعراق.

صحيفة "نيويورك تايمز" تقول إن ترامب ومساعديه "يعدون السعودية قوة إقليمية مهمة وعلى واشنطن أن تقيم علاقات إيجابية معها"، وأضافت أن من أسباب اختيار الرئيس لكل من المملكة العربية السعودية وإسرائيل والفاتيكان، لتكون المحطات الأساسية لجولته كونها مراكز الرسائل السماوية الثلاث، ورغبته بذلك في تشكيل تحالف قوي ضد التطرف والعدوانية. ووفقا لصحيفة الواشنطن تايمز الأميركية فإن ترامب سيناقش خلال زيارته المرتقبة إلى السعودية ومع قادة العالم الإسلامي عدة بنود؛ أهمها "إيجاد حل طويل الأمد لـ "التطرّف"، واتخاذ إجراءات إضافية لوقف تمويل المنظمات المسلّحة، ومواجهة تأثير إيران وتنظيم الدولة، وزيادة التعاون الأمني بين دول الشرق الأوسط". وأشارت إلى أن اللقاء "سيرسم ملامح مرحلة جديدة لمواجهة التطرّف الذي زعزع المنطقة وزرع فيها عدم الاستقرار".

الرسالة الأهم في تقديري هي أن لا علاقة للأديان بالإرهاب، وأن جميع الأديان تتبرأ من هذه الأفعال الشيطانية للجماعات الإرهابية. الرئيس الأميركي سيؤكد دعمه للتحالف الإسلامي العسكري، ودعم جهود المملكة في مواجهة الإرهاب. إذن نقاط الالتقاء بين الرياض وواشنطن ستكون في ملفات عدة أهمها الصراع العربي الإسرائيلي. بقاء الملف بهذا الوضع يفتح الباب على مصراعيه للحروب والكراهية والتطرف. المملكة ستلعب دوراً كبيراً ومحورياً في إعادة إحياء قضية السلام على اعتبار أنها هي من قدم المبادرة العربية وكذلك مواجهة النفوذ الإيراني لأن شعوب الخليج تتطلع أن يصدر التزام واضح من قبل الإدارة الأميركية الجديدة بأنه لا يوجد لدى إيران برنامج نووي يهدد دول الجوار وأخيرا ملف الحرب ضد داعش والإرهاب.

ترامب قال "إنه ليس من مهمة الولايات المتحدة أن تملي على الآخرين طريقة الحياة التي يجب أن يسلكوها، بل إن الهدف هو بناء ائتلاف من الأصدقاء والشركاء الذين يتقاسمون هدف مكافحة الإرهاب، وتحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط"، هذا الأسلوب محل تقدير دول المنطقة وسيلاقي صدى إيجابيا لأنه يحترم استقلالية وسيادة كل دولة، ويعلم أن الإملاءات والضغوط والفرض كلها لن يكتب لها النجاح وسوف تستفز الحكومات والشعوب. اللغة التي استخدمها ترامب مناسبة لتحفيز الآخرين ولإيجاد أرضية مشتركة ما بين الجميع للتعاون والتنسيق.

واضح أن قواعد اللعبة الدولية قد تغيرت وهناك تموضع جديد للسياسة الدولية في المنطقة. هذا يعطي انطباعا بأن انفراجا قادما للملفات الساخنة يدفع باتجاه إيجاد مخارج وحلول تساهم في استقرار المنطقة.