زياد الدريس

فاز إيمانويل ماكرون في انتخابات الرئاسة الفرنسية، الأحد الماضي، بنسبة ٦٦ في المئة على مرشحة اليمين المتطرف ماري لوبن. وستقام الأحد المقبل مراسم تنصيب الرئيس الجديد لفرنسا.

فوز ماكرون ليس اعتيادياً مألوفاً، كفوز جاك شيراك ونيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند، بل هو فوز استثنائي مليء بمعانٍ ودلالات تستحق التوقف والتأمل في مسبباتها من قبل، وفي تداعياتها من بعد.

سأحاول أن أمر سريعاً على بعض هذه المعاني:

أولاً: الرئيس الجديد أتى من خارج سرب الحزبين الاعتيادييَن «المتوافقيَن» على تداول الرئاسة بينهما منذ عقود، ما يشي بأن الناخبين (الجدد) قد تمردوا على لعبة التداول الثنائية، مع التوق إلى التجريب الإصلاحي خارج الأنساق المقولبة. وهذا التوجه لا يقوم به عادةً غير الشباب الذين هم بطبعهم جريئون على التمرد!

ثانياً: اختيار رئيس شاب (٣٩ عاماً)، يؤكد بصمة من يقف خلف التمرد المشار إليه سابقاً، كما ينبئ بتوجه عالمي لتمكين الشباب من قيادة الحركة المستقبلية للعالم.

لكن هذا لا يعني نكران الشباب جدوى وجود الخبرات إلى جوارها، فالدولة التي يقودها العواجيز فقط ستكون دولة هويّة لكن من دون تقدّم كافٍ، والدولة التي يقودها الشباب وحدهم ستكون دولة تقدّم لكن غالباً من دون هويّة!

ثالثاً: عدم فوز مرشحة اليمين المتطرف لا يعني خسارتها، فهي كسبت أكبر نسبة أصوات في تاريخ المحاولات السبع لـ «الجبهة الوطنية»، منذ تأسيسها وبدئها خوض الانتخابات في عام ١٩٧٤.

فإذا كانت أصوات اليمين المتطرف في تنامٍ واضح وملموس، فإن الناس، لحسن الحظ، ما زالوا رغم كل ضغوط الكراهية العالمية، يصوّتون للاعتدال ويعلّقون آمالاً كبيرة عليه لدرئهم من الانحياز إلى خانة اليمين المتطرف، كما فعل ثلث الشعب الفرنسي!

ولأجل هذا، فقد كان التصريح الذي أدلى به الفائز ماكرون عقب إعلان النتيجة، ذكياً وموجعاً لمنافسته، إذ قال: «سأعمل على إنهاء الأسباب التي دفعت البعض ليصوّت للتطرف»!

رابعاً: صوّت ناخبو أكثر دول العالم ليبرالية للمرشح الرجل ضد المرشحة المرأة، التي لم تفز برئاسة فرنسا منذ تأسيس الجمهورية. الأمر المشابه تماماً لما حدث في أكثر دول العالم تقدماً، حين صوّت الناخب الأميركي للرئيس دونالد ترامب ضد السيدة هيلاري كلينتون.

هذه ليست مرافعة لدعم مناهضي المرأة، فبريطانيا وألمانيا فعلتا ما لم تفعله أميركا وفرنسا، لكنها دلالة على تأكيد أن اختيار المرأة في الغرب لا يخضع لشعارات تجميلية أو لضغوط الجندرة فقط، بل يخضع لمعايير الجدارة أولاً.

خامساً: إذا كانت الدلالات الأربع السابقة تمكن مناقشتها أو حتى رفضها، فإن الدلالة التالية لفوز ماكرون غير قابلة للنقاش، وهي أن: وراء كل رجل عظيم امرأة.