زاهي حواس 

تابعنا في الأسابيع الماضية وفي سلسلة من المقالات ملخص بحث الدكتور محمد إبراهيم وزير الآثار المصري السابق؛ والذي يدور حول معضلة خروج بني إسرائيل من مصر؛ ومن هو فرعون الخروج؟ وأتفق معه تماماً فيما يخص الملكة حتشبسوت، التي لا يمكن للأسباب التي بينها أن تكون هي فرعون الخروج؛ أو أن تكون القصة كلها دارت في عهدها. والملاحظ أن الدكتور محمد إبراهيم، وهو أثري يعتمد بشكل كبير في بحثه على الكتب السماوية وهنا مكمن الخطورة، حيث إن الهدف الذي نزلت له هذه الكتب يبتعد كل البعد عن التأريخ أو الآثار. إن الرسالة السماوية رسالة لهداية البشر، ولذلك فالإشارة إلى الزمن والوقت والأسماء والأماكن إنما يرد في المواضع التي تخدم الغاية الكبرى لنزول الكتب السماوية؛ وليس لكتابة التاريخ. وبالتالي فليس من المنطقي الاعتماد عليها كمراجع تاريخية، حتى وإن ظهر أثر يؤيد رواية وردت في كتاب سماوي لا يجب أن نندفع ونقول إنه من الإعجاز! فماذا لو ظهرت آثار أخرى تعارض الأثر الأول المكتشف؟! ولذلك فإننا دائماً ما نؤكد على خطورة إقحام الكتب السماوية في موضوعات أثرية أو تاريخية؛ والشيء نفسه ينطبق مع غير ذلك من العلوم.

وعلى الرغم من أن سيدنا إبراهيم وسيدنا يوسف وسيدنا موسى عليهم جميعاً وعلى نبينا محمد السلام قد جاءوا إلى مصر، بل ومنهم من عاش حياته كلها بها (يوسف) ومنهم من ولد وتسمى باسم مصري (موسى)، فإن الآثار لم تذكر شيئاً مباشراً عنهم أو حتى إشارات تدل على وجودهم؛ لعل السبب أن الحديث عن أنبياء الله ورسالات سماوية مختلفة عن الديانة المصرية القديمة لا يستقيم، ومعظم ما كشف عنه إما معابد لآلهة الفراعنة ولا يمكن بالطبع أن يذكر عليها أنبياء الله! أو مقابر فرعونية أسست على ديانة الفراعنة، وبالتالي ليس من المتوقع أن نجد قصص أنبياء الله مذكورة ضمن برنامج المناظر أو النصوص المسجل على جدرانها؟! وعلى الرغم من ذلك فليس هناك من شك في أن المصريين القدماء كانوا على اتصال بديانات سماوية وليس هناك من شك في أنه كان لهم رسل لا نعرف عنهم ولكن هذا مؤكد من نظريات الخلق والإيمان بأن الأرض والسماء كانتا ملتصقين ففصل الله بينهما! وهناك من يكاد يجزم بأن سيدنا أدم أبو البشر هو أتوم الذي عرف عند المصريين بأنه الأول والأقدم؛ هذا فضلاً عن الإيمان بأن سيدنا إدريس كان مصرياً.
أكد الدكتور محمد إبراهيم أن الخروج لم يحدث خلال عصر الأسرة الثامنة عشرة - عصر حتشبسوت وتحتمس الثالث وأخناتون وتوت عنخ آمون. وكذلك نفى كونه رمسيس الثاني من الأسرة التاسعة عشرة، حيث إن عهده لم يعرف فيه أمراض أو أوبئة أو أزمات كما ورد بالكتب السماوية؛ إضافة إلى أن فحص مومياءه لا يشير من قريب أو بعيد إلى شخص غرق. وهنا يجب أن نلفت الانتباه إلى أن الرئتين كانتا تحنطان مع الأحشاء الداخلية وتحفظان بعيداً عن الجسد فيما يعرف بالأواني الكانوبية، وتلك لم يعثر عليها بالنسبة لرمسيس الثاني لكي نقول بغرقه من عدمه. وأيضاً القول بأن الفرعون الذي ربى موسى غير الذي تم في عهده الخروج، فهذا جائز جداً، وقد يكون الخروج قد حدث في النصف الثاني من الأسرة التاسعة عشرة. ولا يزال الوقت والبحث والحديث مبكراً جداً للقول بأن معضلة الخروج قد حلت.. .