فيليب ستيفنز 

هذا ليس جيلا يمهد الطريق للجيل القادم، فبريطانيا عكست النظام الطبيعي. 
حركة الشباب في حكومة ديفيد كاميرون، كانت قد تعرضت للاحتلال من قبل الأفراد الكبار في إدارة تيريزا ماي. كان توني بلير في الثانية والخمسين من عمره عندما فاز للمرة الثالثة في الانتخابات. وسيكون زعيم العمال الحالي جيرمي كوربين في سن الثامنة والستين عندما يدخل معركة الانتخابات الأولى والأخيرة بالنسبة له في الثامن من حزيران (يونيو) المقبل. ينبغي لنا ألا نتظاهر بأننا فوجئنا بأن هذه هي منافسة ما بين الرؤى التي تنتمي إلى الماضي لا إلى الحاضر.
تعود ماي مرة أخرى إلى عقد طفولتها المبكرة، فبريطانيا في الخمسينيات كانت تشهد فترة مفضلة لدى المحافظين. ويتم تذكرها على أنها عصر تفاؤلي، لكنه منظم، حيث الاتجاه نحو الحداثة يحترم الماضي حسب الأصول. 
بالنسبة لكوربين، تمثل فترة السبعينيات الفوضوية العلامة الأبرز في حياته، فقد أطاحت النقابات العمالية بحكومة المحافظين، وخرج اليسار إلى الشوارع في احتجاجات دائمة على الإمبريالية الأمريكية، وكانت الثورة تطل برأسها من الأفق القريب. هذه كانت الصورة من وجهة نظر منظم اتحادات من اليسار المتطرف. ماي موجودة في داوننج ستريت 10 منذ عشرة أشهر. والذين راقبوها من كثب لم يفلحوا في تحديد أي شيء يمكن تسميته بمذهب ماي. على الرغم من ذلك، هناك أدلة وقرائن من شاكلة ازدراؤها لزمرة كاميرون المكونة من الأثرياء، وهو أمر هو في غاية الوضوح. 
وقد احتفى كاميرون ووزير ماليته جورج أوزبورن بالنزعة المحافظة في المدينة، أي حي المال، والتي بدورها دافعت عن العولمة. النزعة المحافظة التي تتسم بها ماي متجذرة في النزعة الإنجليزية لدى أهل المقاطعات. 
والشعار الخاص بها يجعلها في صف العائلات التي تندرج في الكليشيه السياسي الذي كان سائدا في ذلك الحين: "قادرة بالكاد" على البقاء على قيد الحياة في الأوقات الاقتصادية العصيبة.
كما أنها لا تتأثر بالمغامرات الخارجية. عندما كانت وزيرة للداخلية في عهد كاميرون، شعرت بالحنق بسبب مناقشات وزارية مطولة حول قصف أهداف في العراق وسورية. 
في شيفرة الحكومة البريطانية، رئيسة الوزراء هي "أقرب إلى المباحث الداخلية منها إلى الاستخبارات الخارجية". 
جهاز MI5 يتحمل المسؤولية الرئيسية عن الأمن الداخلي، ولا سيما مكافحة الإرهاب. أما جهاز MI6 أو وكالة المخابرات السرية، فهو يولي اهتماما أكبر للتهديدات من على بعد. بالنسبة للسيدة ماي، يبدأ الأمن من الداخل.
وكل هذا يشير إلى مجموعة من الدوافع بدلا من فلسفة ناظمة. الفكر المثالي الذي ساد في الخمسينيات هو الذي يمثل حلقة الوصل. بعد اقتطاع حالات التعصب في ذلك الوقت تجد أنه عصر من الحراك الاجتماعي، يتسم بوجود مجتمعات مستقرة جنبا إلى جنب أسر قوية وشركات محلية مزدهرة. كان الناس يرتدون أفضل الثياب أيام الأحد. ويذهب القليل منهم إلى الكنيسة. 
وكان لا يزال نجوم البوب يرتدون البدلات الرسمية. ويقال إن المدارس الحكومية كانت مملوءة إلى حد الانفجار بأطفال ينتمون للطبقات العاملة المحترمة – بصرف النظر عن الأدلة الدامغة على وجود العكس. في رأي أحد مراقبي الحكومة البريطانية من ذوي البصيرة الثاقبة، ما يميز ماي عن شخص ليبرالي اقتصادي مثل أوزبورن هو الأولوية التي توليها للمجتمع بدلا عن الاقتصاد. وزير المالية السابق كان يعتبر أن حركة الهجرة على نطاق واسع من الاتحاد الأوروبي هي مصدر للنمو الاقتصادي. رئيسة الوزراء الحالية تخشى التفكك الثقافي. 
كان أوزبورن يحتفي بجاذبية بريطانيا من وجهة نظر الشركات العملاقة في صناعة التكنولوجيا العالمية. في حين تفضل ماي الرأسمالية الأبوية التي سادت في فترة الخمسينيات، عندما كان القطاع المصرفي لا يزال تجارة محترمة، وتعرف مجالس إدارة الشركات المسؤوليات التي تتعدى تحقيق أقصى قدر من أجر التنفيذيين.
من جانبه، فإن كوربين لم يغادر فترة السبعينيات قط، فحياته المهنية في الحقل السياسي كانت حياة قضاها منغلقا على نفسه ما بين مختلف فصائل اليسار المتطرف - أتباع تروتسكي، وأتباع ستالين، والمحبون للطاغية الألباني الراحل أنور خوجا، والمجموعات الأخرى المنشقة. وهم لا يزالون موجودين. تحدث جون ماكدونيل، أقرب المقربين لكوربين والمستشار المحتمل في حكومة عمالية، في اجتماع في عطلة الربيع في مايو (أيار) هذا الأسبوع، تحفه الأعلام التي تحتفي بالحكم الشيوعي للراحل جوزيف ستالين وديكتاتورية حزب البعث تحت حكم بشار الأسد في سورية. الآن، كما كان في الماضي، ما يهم بالنسبة لليسار المتطرف هو البقاء في معارضة مع الأمريكيين. إذا بدا زعيم العمال غير مناسب نهائيا لتولي مهام القيادة، سيكون ذلك لأن حياته في الماضي كانت عبارة عن حياة شجب لمن يتولى مهام السلطة. 
تشير استطلاعات الرأي إلى أن بريطانيا غير قادرة على تصور مثل هذا السياسي وهو واقف عند مدخل مبنى رئاسة الوزراء. أشك أن كوربين، بينه وبين نفسه، يريد أن يأخذ هذا الاحتمال بعين الاعتبار. 
وكذلك أنصار كوربين المميزون بأسلوبهم الذاتي في اليسار المدني. بالنسبة لأولئك الليبراليين الأغنياء، فإن الانتخابات هي رهان مضمون: حيث يمكنهم تلميع المصداقية الاشتراكية من خلال حقيقة أن المحافظين سيواصلون اتخاذ قرارات تتعلق بمقدار الضرائب التي سيدفعونها.
ليس هنالك ضرر في الحنين إلى الماضي بحد ذاته. خلال فترة الخمسينيات، كانت بريطانيا لا تزال قوة عالمية، أو على الأقل تلك كانت نظرتها إلى نفسها. 
كانت الدولة قادرة على التمتع بالفترة التي تلت انتصارها العظيم في الحرب العالمية الثانية. حيث عملت التكنولوجيا - السيارات والغسالات والمكانس الكهربائية والتلفزيونات - على تحويل حياة الأفراد من ذوي الدخل المحدود. وبدأت قوى المجتمع الأكثر لطفا بالتقدم والتنظيم لمكافحة عوامل التحيز والتعصب القديمة.
وفي الوقت الذي تعد فيه الناخبين "بتحقيق النجاح في مسألة "البريكزيت"، ربما يتعين على رئيسة الوزراء النظر بشكل أوثق في التاريخ، فقد ادعى هارولد ماكميلان، رئيس الوزراء المحافظ آنذاك، بأن الناخبين في المملكة المتحدة "لم يحظوا أبدا بمثل هذا الوضع الجيد". وكان يطلق عليه لقب سوبر ماك. 
مع ذلك، حتى مع إشادته بكل الإنجازات التي حققتها حكومته، علم ماكميلان بحلول العام 1960 بأن اللعبة قد انتهت.
كان يتم تجاوز بريطانيا اقتصاديا وسياسيا من قبل جيرانها من الدول الأوروبية، فهي لم تعد تمتلك في ذلك الوقت الموارد اللازمة لتتوافق مع طموحاتها العالمية. 
لذلك انتهى عقد الخمسينيات بجرعة كبيرة من الواقعية. كانت هنالك إجابة واحدة فقط معقولة، بحسب ما قرر ماكميلان: يجب على بريطانيا الانضمام إلى السوق المشتركة في أوروبا, آنذاك، أي نواة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي حاليا.