سمير عطا الله

ذهبت إلى مكتبة معهد العالم العربي في باريس وأنا آمل أن تكون أشغال التصليحات في المبنى قد انتهت. لكنني وجدتها لا تزال «قائمة على قدم وساق».

ولا أعرف من أطلق هذا التعبير، ولا لماذا درجنا على استخدامه جميعًا. فالوقوف على قدم وساق فقط، بهلوانية، فكيف بالعمل عليهما أيضا، من دون الاستعانة بالساق الأخرى وقدمها؟

وفي أي حال، أتمنى عند انتهاء الورشة أن يكون المبنى أكثر إضاءة، وأقل تعقيدًا، وخاليًا من السوريالية ومتاهاتها. وقد ترجم ميخائيل نعيمة «السوريالية»: «فوق الواقع». سامحه الله، لا هي فوق الواقع، ولا تحته ولا فيه. لقدُخلقت لكي تكون ضد الواقع وخارجه، تمامًا كما أنشئ مبنى معهد العالم العربي، لكي لا تعرف كيف تجد طريقك فيه. «باب الخروج» هو السهولة الواقعية الوحيدة.

مكتبة المعهد - قبل التجديد - مثل مكتبات المياتم المتكلة على الصدقات. كنت أتمنى أن يكون حال الكتاب العربي في باريس، أفضل من حاله في بلاده، وبلداننا. ربما بعد تجديد المبنى، الذي لا يشبه شيئًا من جمال باريس وهندستها وروعتها، حديد وزجاج وعتم وسوريالية. وفوق ذلك هناك من أضاف اقتراحًا ذهبيًا بأن تذاع الأغاني مع البحث عن الكتب. موشحات. ويا زمان الوصل في الأندلس.

وفي أي حال، ليس لي من الزيارة سوى غاية واحدة. سألت الموظفة الصبية عن كتب يوسف إدريس، فقالت: هناك ثلاثة منها معروضة، والباقي في المخزن. هل أحضرها لك؟ أخذت الثلاثة المعروضة على الّرف. لم أكن أريد إعادة قراءة كل ما كتب، فقط أردت أن أمتحن نفسي: هل كان يوسف إدريس حقًا، تشيخوف العرب؟

عاش سنواته الأخيرة يحلم، ويعمل، ويرّوج للحصول على نوبل الآداب. وخطفها منه، ومن سواه، الرجل الذي لا يدعي أكثر من جائزة وزارة الثقافة. يوسف إدريس ظلمه الأدب العالمي، وظلم هو نفسه. كان يقارن نفسه بالروسي تشيخوف، طبيب مثله، وأديب مثله، ومسرحي مثله. هل تريد الحقيقة؟ لقد كان على حق. إدريس بالعربية هو تشيخوف بالروسية. عالمان مختلفان، ومنبع قصصي وإنساني واحد. ولذلك، الشبه في الأبطال.

وفي الأسلوب. لكن إدريس كان عدائيًا ومتشاوفًا في مقابل محفوظ المتواضع مثل فلاح مصري. لذلك، استبعدت عنه نوبل، في أذهان الناس تلك هي صورته. أما أدبه، فشيء جميل وعميق. وعندما تنتهي الأشغال في معهد العالم العربي، سوف أعود لطلب الكتب التي في المخزن. وإلقاء التحية على صبية المكتبة.