إدريس لكريني

يحتلّ مجلس الأمن مكانة بارزة ومهمة ضمن الأجهزة الرئيسية للأمم المتحدة، ذلك أن الميثاق الأممي خوّله صلاحيات وسلطات هامة وواسعة في سبيل تحقيق السلم والأمن الدوليين، ومنذ بروز قضية الصحراء؛ قام هذا الجهاز بمراكمة مجموعة من المبادرات والإجراءات التي توخّى من خلالها إيجاد حل سلمي لهذا النزاع.

فقد انخرط منذ فترة تاريخية مبكرة في تدبير هذه القضية؛ ففي ظل تزايد مطالب المغرب باسترجاع أقاليمه الجنوبية في سنوات السبعينات؛ أصدر هذا الجهاز قراره رقم 380 الذي أكد فيه على أهمية التفاوض بين الأطراف المعنية لتسوية النزاع طبقاً للفصل 33 من ميثاق الأمم المتحدة.

كما أنه أحدث بتاريخ 29 إبريل/‏نيسان من سنة 1991 بعثة الأمم المتحدة للسلام في الصحراء (المينورسو)، بموجب قراره رقم 690؛ للإشراف على وقف إطلاق النار بين الطرفين وإعداد الأجواء للاستفتاء الذي استحال تطبيقه بفعل الإشكالات التي واجهت تحديد هويّة المعنيين به، وقد أسهمت هذه القوات بشكل ملحوظ في الحد من مظاهر التوتر والمواجهة من جهة؛ كما سمحت بطرح أسس للبحث عن سبل ودية وسلمية كفيلة بإيجاد حل نهائي وواقعي للقضية من جهة أخرى؛ وخاصة أن المجلس سار في اتجاه المصادقة المنتظمة على قرارات يتم بموجبها تمديد مهام هذه البعثة. 

وأمام الوضعية الصعبة التي وصل إليها الملف؛ نتيجة استحالة تطبيق خيار الاستفتاء؛ وازدياد المخاوف من انهيار اتفاقيات وقف إطلاق النار المبرمة بين الجانبين؛ قام المغرب بطرح مبادرة الحكم الذاتي، كاقتراح واقعي يستلهم أساسه من التطورات الميدانية للملف، ومن تجارب دولية ديمقراطية عديدة توازن بين مطلبي الاستقلال والوحدة، وهو ما عبّر من خلاله المغرب عن رغبة حقيقية لطي هذا الملف، مما أعاد الأمل من جديد لإمكانية التوصل إلى حل يرضي الطرفين، وخلف ردود فعل دولية إيجابية في هذا الصدد.

لم تتوقف قرارات المجلس الصادرة منذ ذلك الحين عن تثمين هذه المبادرة التي تقوم أساساً على التفاوض ومنح الساكنة صلاحيات وإمكانيات مهمة لتدبير شؤونها بشكل حر وديمقراطي في إطار سيادة المغرب.

أصدر مجلس الأمن قراره رقم 2351 ضمن جلسته ٧٩٣٣، المعقودة بتاريخ ٢٨ إبريل 2017 بصدد قضية الصحراء في أعقاب التقرير الذي قدم له من قبل الأمين العام الأممي قبل أيام؛ وهو القرار الذي تم بموجبه تمديد بعثة «المينورسو» لمدة سنة أخرى، كما رحب المجلس فيه ب«جهود المغرب التي تتسم بالجدية والمصداقية للمضي قدماً بالعملية صوب التسوية»، وهو ما يحيل إلى مشروع الحكم الذاتي الذي طرحه المغرب في هذا الصدد، مع الإحاطة علماً بمقترح جبهة البوليساريو المقدم إلى الأمين العام في عام 2007 دون إطلاق نفس الوصف عليه من قبل المجلس؛ بما يعنيه ذلك من استبعاد ضمني لخيار تقرير المصير عبر آلية الاستفتاء، خصوصاً وأن القرار دعا الطرفين إلى إطلاق عملية التفاوض بدينامية جديدة وروح جديدة تؤدي إلى استئناف عملية سياسية تهدف التوصل إلى حلّ سياسي مقبول من الطرفين.. مع استحضار حسن النية في هذا الصدد، وتجديد دعوته للدولتين المجاورتين إلى «التعاون بشكل أكمل مع الأمم المتحدة؛ وفيما بينهما؛ وإلى تعزيز مشاركتهما في سبيل وضع حد للمأزق الراهن وإحراز تقدم نحو إيجاد حل سياسي»، وفي ذلك إشارة إلى ضرورة تجاوز كل مظاهر التحريض والتشويش التي تباشرها بعض الدول .

كما رحب المجلس بالخطوات والمبادرات الأخيرة التي اتخذها المغرب والداعمة لحقوق الإنسان، ودعا إلى تحسين أوضاع حقوق الساكنة في المنطقة مع استحضار مخيمات «تندوف» في هذا الشأن، وإلى احترام اتفاق وقف إطلاق النار والتعاون التام مع عمليات البعثة الأممية، ومواصلة عملية التحضير لعقد جولة خامسة من المفاوضات برعاية الأمين العام..

وجدير بالذكر أن هذا القرار جاء في أعقاب رضوخ البوليساريو لمطالب الأمين العام الأممي في تقريره الأخير بصدد الموضوع؛ والذي دعا فيه المجلس إلى تحمل مسؤولياته في دعوة البوليساريو للانسحاب من منطقة الكركرات.

وعلى عكس التوجهات التصعيدية التي نهجتها البوليساريو في الآونة الأخيرة بعرقلتها للمرور في هذه المنطقة؛ ومحاولتها توظيف أسلوب «الإدارة بالأزمة»؛ باختلاق «أزمة وهمية» للعودة إلى الواجهة؛ جاء القرار متوازناً ويعكس الرغبة في التوصل إلى حل تفاوضي ومتوافق بشأنه..

وينطوي هذا القرار على أهمية كبيرة بالنظر إلى تأكيده على الخيار التفاوضي؛ وإشارته إلى دور المحيط الإقليمي في هذا الصدد اقتناعاً منه بضرورة استحضار حسن النية فيما يتعلق بدول الجوار أيضاً في التعاطي مع هذه المفاوضات وتجاوز كل السلوكات التحريضية التي من شأنها التأثير بالسلب في مسار هذه المفاوضات، كما أن القرار وإن ذكر «تقرير المصير» فهو لم يربطه بالاستفتاء؛ وإذا استحضرنا ترحيبه بجهود المغرب لحل النزاع.. وتجديد دعوته الطرفين إلى التحلي «بالواقعية والرغبة في التسوية كأمر ضروري لإحراز تقدم في المفاوضات»؛ فالأمر يحيل إلى الاقتناع بأهمية الخيار التفاوضي؛ ورغبة المجلس في تجاوز المقاربات التقليدية والمتجاوزة التي ما زال يردّدها الطرف الآخر.. بما يعنيه ذلك من استحالة تطبيق تقرير المصير كما يراه الطرف الآخر..