سمير عطا الله

بعد سنوات متعبة من تغطية حرب لبنان، قرر مراسل شبكة «آي بي سي» الأميركية تشارلز غلاس، الذهاب إلى حلب في إجازة «يبتعد فيها عن كل شيء». وكان غلاس، وهو من أم لبنانية، قد تعرَّض للخطف، لكنه استطاع الفرار من خاطفيه. ولم تكن هذه (1988) أول زيارة يقوم بها للشهباء. ويصف حلب في هذه الرسالة بالقول: «إنها مدينة القصور المطرزة، والكنائس الجميلة، والمساجد الرائعة. ومن اللافت، أن جميع سكان حلب يرتدون ثياباً داكنة الألوان، رجالاً ونساءً».
لذلك، إذا ما ارتدى شاب كنزة حمراء اللون، لا بد أن يلفت نظر الجميع. والشاب الذي يتبع غلاس، على بعد خطوات قليلة منه، يرتدي كنزة حمراء. لاحظ وجوده أولاً في بهو الفندق عندما نزل في الصباح لتناول فطوره. وعندما خرج في جولة إلى السوق القديم، شعر به يسير خلفه. وعندما عاد إلى الفندق دخل خلفه، فالتفت إليه، فاستدار وخرج. فما كان من غلاس إلا أن خرج خلفه، فراح يمشي في الشارع مسرعاً. عاد غلاس إلى الفندق. وبعد خمس دقائق عاد أيضاً شاب الكنزة الحمراء وجلس على أحد مقاعد البهو. ذهب غلاس إلى موظف الاستقبال وسأله عمن يكون صاحب الكنزة الحمراء في مدينة الثياب الداكنة؟ فقال له بسرعة إنه طالب وظيفة في الفندق. بعد قليل جاء موظف آخر همس في أذن الشاب شيئاً ما، كمثل، لقد افتُضح أمرك، فقام ومشى.
يقول غلاس في كتابه «مال من أجل حبل عتيق» إن «الكنزة الحمراء كانت بالطبع خطأ فاضحاً. ولا شك أن المراقب الذي استبدل به، كان يرتدي طقماً رمادياً أو سروالاً كاكياً مع كنزة غامقة لكي يبدو أكثر انسجاماً مع أهل حلب».
عدا ذلك، يتذكر غلاس مدينة جميلة كانت يوماً أحد أهم المراكز التجارية على «طريق الحرير»، ولا تزال تعج بالمصانع والأسواق والمتاجر. أي يوم كتبت رسالته هذه، التي ضمها إلى مجموعة مختارات عن الأحداث التي عاشها، في كتاب من نحو 500 صفحة. ولعله لم يلحظ أن جميع الرسائل كانت داكنة، أو حزينة، أو مؤسفة، فيما عدا ضحكة ساخرة واحدة، زوده إياها شاب لم يكن على الأرجح، يملك سوى كنزة حمراء، عندما كُلِّف مراقبة «صحافي، أو دبلوماسي نادر، يأتي إلى المدينة».
يروي الزعيم السوري أكرم الحوراني أنه لاحظ شاباً يتبعه على دراجة نارية. وكانت سرعة الدراجة محدودة. فكان كلما تجاوزت سيارته الدراجة بمسافة طويلة، يتوقف وينتظر إلى أن يصل المخبر المسكين، فينطلق من جديد، بعدما يلقي عليه التحية.. .