عبد الله القفاري

لم يكن مقالي هنا " ابن عقيل والقصيمي: جناية الذاكرة" دفاعا عن فكر عبدالله القصيمي، فالمقال لم يكن معنيا بمناقشة أفكاره، قدر ما كان معنياً بتدقيق حوادث وعلاقات يجب ألا تخضع لذاكرة الراوي الوحيد..

تدليس/ تعاطف غبي مريض/ إلجام.. هكذا تبدأ محاولة الاسقاط عند ابن عقيل في رده، وقبل ان يحاول التحقق والبحث في مصادر أخرى غير ذاكرته.. والرواية الوحيدة التي هو بطلها!!

قال أبو مروان: ليت أحدا من الشهود الأربعة عشر الأحياء يتحدث لنتبين من مصدر آخر ما حدث في تلك الليلة في قاردن ستي!!

لست مضطرا لاستعرض قراءاتي لما كَتب عبدالله القصيمي أو كُتب عنه، إنما للتأكيد أن المسألة ليست تعاطفا غبياً مريضاً. لقد قرأت رسالتي دكتوراه عن عبدالله القصيمي، إحداهما غير منشورة للباحث اللبناني احمد السباعي حصل عليها في عام 1979، والاخرى للباحث الالماني يورجن فازلا، نشرتها مترجمة دار الكنوز الأدبية في عام 2001.. بالاضافة إلى عدة مصادر ووثائق مخطوطه ولقاءات مع أصدقاء القصيمي ممن اقتربوا منه بما يكفي لحوارهم واكتشاف أبعاد أخرى في شخصيته..

القصيمي حالة فكرية وليست قصة أصول عرقية ومناطقية.. وهو اتخذ هذا اللقب في الأزهر الذي التحق به عام 1927، وعندما كان يُسأل عن بلده الذي جاء منه كان يقول «القصيم»، ولقبه بعض زملائه بالقصيمي، فاتخده من حينها لقباً..

لم يكن تعاطفا بابن عقيل، بل كان بحثا واكتشافا ودراسة لمراحل القصيمي الثلاث، منذ مرحلته الازهرية/السلفية في القاهرة، مرورا بكتاب "هذي هي الاغلال" الذي صدر عام 1946، وصولا للمرحلة الثالثة، والتي تمثل القطيعة أو الانشقاق، والتي يمكن تأريخها بصدور كتاب "العالم ليس عقلا" في عام 1963. والذي صدره بفصل جاء بعنوان "دفاع عن ايماني".

ولضيق المساحة سأكتفي بعرض بعض مغالطات ابن عقيل بالبرهان وليس عبر استدعاء ذاكرة يتعورها النقص والايهام. فهو يقول: "والقفاري أحدث لي ابتلاء منه افتراضات جعلها واقعا وهي ليست كذلك.." ويعود بنا إلى مناظرته لعبدالله القصيمي في القاهرة.. وهي تلك المناظرة التي لم اتناولها بشيء البتة واعتبرتها رواية خاصة بابن عقيل..

ولا زلت أؤكد مدعوما بالمصادر الموثقة أن القصيمي طرد من مصر عام 1954، وفي تلك المرحلة لم يكن قد كتب القصيمي عن طنين الذباب الذي يقتله مرتين.. يريد بها خطب عبدالناصر وإعلامه في ذلك الحين.. فقد جاء (هذا الذباب يقتلني كل صباح مرتين) في كتابه "كبرياء التاريخ في مأزق" والذي نشر في بيروت عام 1966. ولم يكن القصيمي يعرف كمال جنبلاط قبل وصوله لبيروت، وقد وصل بيروت لأول مرة وهو في حالة يرثى لها.. ولم يكن يعرف أحداً فيها سوى موظف كان يعمل بالسفارة السعودية ببيروت لجأ إليه فساعده واهتم بشأنه.

وخلال العامين الذين امضاهما في بيروت مطرودا، وجد ترحيبا من مثقفين لبنانيين ارتبط معهم منذ ذلك الوقت بعلاقات وثيقة، ومنهم كمال جنبلاط وقدري قلعجي ورياض طه وغيرهم، وعندما عاد للقاهرة بعد وساطة الملك سعود رحمه الله -كما تقول بعض المصادر-كانت بيروت قد أخذت بلبه، وصارت منعطفا في حياته، وظل يزورها في الأعوام اللاحقة كلما استطاع، وكان أيضا يعمل في تلك الإقامات القصيرة على مراجعة كتبه، التي كان قدري قلعجي صاحب دار الكتاب العربي يتولى نشرها.

أما ما أسهب فيه ابن عقيل لوماً وتقريعاً لاستخدام كلمة الشيخ القصيمي، وهي لم ترد في مقالتي سوى مرة واحدة.. فمن الطريف أنه وقع فيما نهى عنه، فهو يقول أيضاً في رده: وقد أصابنا الغثيان من تمجيد أمثال الشيخ القصيمي وحواة البينيوية واذناب جائزة السلام الصهيونية..!!

أما أني قلت لم تحدث وحدة وكانت وحدة، فلو أن ابن عقيل تمهل وقرأ جيدا لأدرك أن المقصود أنه لم تحدث وحدة ثلاثية بين مصر وسورية واليمن.. ولكنها حدثت وحدة ثنائية بين مصر وسورية عام 1958 والتي انتهت بالانفصال بعد قرابة العامين.

أما أن يكون القصيمي صعيدياً، فهذا لم يكن مهماً لا للقصيمي ولا لمن يحاول فهمه وقراءاته واكتشافه.. وإن كان عبدالله القصيمي قصيمياً بالأم والولادة والنشأة..وهذا يذكرني هذا بما كتبه صلاح الدين المنجد عن القصيمي حول أصله وعرقه.. والرسالة التي كتبها القصيمي ووزعها على أصدقائه ومعارفه التي يقول فيها ( إن أعظم انجاز للدكتور -يقصد المنجد- وأهم وأعظم اكتشاف..توصله الى أن القصيمي لا ينحدر من نجد.. وبذلك نفى هذه التفاهة التي تسمى نفسها القصيمي من تلك المناطق..وبإثباته أن القصيمي لا ينحدر من هناك وقى نجداً والمملكة من العار الذي يمثله لها، ومن الضروري ابلاغ جميع السعوديين بالخدمة التي قدمها لهم المنجد لصون شرفهم وسمعتهم لكي ينال المكافأة المناسبة على الجهود التي بذلها من اجل التوصل لاكتشافه المثير).

ويخطئ ابن عقيل مرة اخرى عندما يقول إن والد القصيمي قدم مع حملة ابراهيم باشا التي استهدفت الدولة السعودية الأولى وعاصمتها الدرعية.. وانه تخلى عن الحملة وتزوج وأنجب عبدالله.. ومن المعلوم أن الحملة وصلت الدرعية عام 1818 وولادة عبدالله القصيمي في "خب الحلوة" إحدى قرى بريدة كانت في عام 1907.. فهل تزوج والده وانجبه وسنه يزيد على مئة وعشرة أعوام..؟!! أما المصادر الموثقة، بما فيها رواية عبدالله القصيمي للباحث السباعي أن والده قدم من حائل واستوطن بريدة فترة من الزمن، والأرجح ان والده درس على يد علماء القصيم في ذلك الوقت، فقد كان كما يصفه ابنه عبدالله عندما التقاه في الشارقة "سلفي متشدد". ولم أجد أي مصدر يتحدث عن شقيقة للشيخ بل إن المؤكد أنه الوحيد لأبويه - كما أكد ذلك ابنه الصديق الدكتور فيصل القصيمي- وان كان له اخوة غير أشقاء من طرف والدته التي تزوجت فيما بعد، وله إخوة من طرف والده الذي تزوج من احدى أسر الشارقة بعد رحيله إليها. وقد توفي القصيمي عام 1996 ، فهو حين وفاته لم يتجاوز التسعين عاما..

القصيمي يا أبا عبدالرحمن حالة فكرية وليست قصة أصول عرقية ومناطقية.. وهو اتخذ هذا اللقب في الأزهر الذي التحق به عام 1927، حيث كان يتم تصنيف الطلاب على طريقة الأروقة كالرواق الشامي والرواق العراقي وهكذا..، وعندما كان يُسأل عن بلده الذي جاء منه كان يقول "القصيم"، ولقبه بعض زملائه بالقصيمي، فاتخده من حينها لقباً.. وكان القصيمي على علم بما يقال عن أجداده، ففي رسالة بعث بها للباحث احمد السباعي وفي حديث مع يورغن فازلا، لم يخف القصيمي علمه بما يقال عن أجداده انهم جاءوا من مصر، إلا انه لا يستطيع ان يؤكد ذلك.

قال أبو مروان: لم أجادل ابن عقيل في فكر القصيمي، ولم أدافع عنه، إنما جادلت في وقائع وحوادث تاريخية يجب تناولها بدقة حتى لا يلتبس الأمر على القارئ، والمصادر لم تعد اليوم خفاء على باحث أو قارئ مهتم.