ديفيد بوند من لندن

منذ الصيف الماضي كان قرّاء الموقع الإلكتروني لصحيفة "الجارديان" يتلقون وابلا من الرسائل التي تطلب منهم التبرع للمساعدة في الحفاظ على مستقبل الصحيفة على المدى الطويل.
تقول الرسائل للمتبرعين المحتملين: "ليس لدينا مالك ثري يفرض سيطرته. لا يوجد أي مساهمين، أو مُعلنين، أو مالكين من أصحاب المليارات يُمكنهم الإشراف على رئيس التحرير"، مُضيفة: "الجارديان تعمل في مناخ مالي صعب للغاية. إيراداتنا من الإعلانات آخذة في الانخفاض بسرعة".
مع أن مثل هذه الصراحة قد تكون نادرة في عالم "فليت ستريت" الشرس، إلا أن الانتقال نحو البحث عن مساهمات من القرّاء على الإنترنت يُمثّل تحوّلا كبيرا بالنسبة للمجموعة التي كانت شبه متعصّبة بشأن تقديم صحافتها الرقمية مجاناً.
اضطرت "الجارديان" إلى إعادة التفكير في استراتيجيتها بعد تعرضها العام الماضي لما يُمكن وصفه بأنها أكبر أزمة في تاريخها الممتد على مدى 200 عام تقريباً، عندما تزامن انخفاض حاد في الإعلانات المطبوعة مع إيرادات مخيبة للآمال من الإعلانات الرقمية.
بعض منافسي المجموعة رفض مناشدتها القرّاء تقديم تبرعات باعتبارها تدبيرا يائسا. لكن، وفقاً لكاترين فاينر، رئيسة تحرير الصحيفة، هناك علامات مُبكرة على أن هذا النهج قد يكون ناجحاً.
قالت فاينر لـ"فاينانشيال تايمز": "نحصل الآن على المبلغ نفسه تقريبا من العضوية، ومن القرّاء الذين يدفعون، بقدر ما نحصل عليه من الإعلانات".
تقول "الجارديان" إن لديها 230 ألف عضو يدفعون حدا أدنى مقداره خمس جنيهات شهرياً، إلى جانب 185 ألف مشترك في الصحيفة الرقمية والمطبوعة، و190 ألف مشترك لمرة واحدة.
وتُضيف فاينر: "دائماً ما كنا نعلم أن قرّاء الجارديان يهتمون بعمق بما نفعل لكن سرعة نجاح هذا فاجأتنا قليلاً".
لكن رغم كل التفاؤل المُبكر، السؤال الكبير بالنسبة لـ"الجارديان" هو ما إذا كانت خطتها يمكن أن تجعل المجموعة مستدامة مالياً في الوقت الذي نرى فيه النشر في حالة شبه مستمرة من التغير والتطور.
نيك نيومان، الزميل في معهد رويترز للصحافة، يتساءل ما إذا كان الطلب من القرّاء أن يشاركوا طوعاً بأموالهم سينجح على المدى الطويل ويقول: "سيكون من الصعب تجاوز تلك المجموعة الموالية من قرّاء الجارديان. في نهاية المطاف قد يضطرون لتقديم محتوى استثنائي ونوع من الاشتراك المدفوع".
"جارديانز نيوز آند ميديا"، الشركة الناشرة لصحيفتي "الجارديان" و"الأوبزيرفر" فضلاً عن موقع theguardian.com، خفّضت خسائرها التشغيلية من 57 مليون جنيه في العام المالي 2015-2016 إلى 37.8 مليون جنيه في العام المالي 2016-2017 وزادت الإيرادات بنسبة 2 في المائة لتصل إلى 214 مليون جنيه. لكنها أنفقت 72 مليون جنيه في الوقت الذي تضررت فيه من تكاليف ضخمة لإعادة الهيكلة لمرة واحدة ترتبط في الغالب بمغادرة 300 موظف.
وعلى مدى العقد الماضي، اتّبعت الصحيفة استراتيجية طموحة لتُصبح علامة تجارية عالمية رائدة للأخبار، من خلال الاستثمار في مكاتب في الولايات المتحدة وأستراليا، وتوسيع عملياتها الرقمية. وراهنت على بناء وجود دولي ضخم على أمل أن يكون بالإمكان الحفاظ عليه من خلال الإعلانات الرقمية.
وعلى الرغم من أن المجموعة حققت النصف الأول من خطتها -زيادة جمهورها على الإنترنت إلى ما يُقارب 150 مليون مستخدم فريد شهرياً هذا العام- إلا أن النصف الثاني من الرهان فشل بسبب بدء "فيسبوك" و"جوجل" أخذ نصيب الأسد من إيرادات الإعلانات الرقمية. في الوقت نفسه، انخفضت إيرادات الإعلانات المطبوعة كثيراً.
الخسائر والتكاليف المتصاعدة أدتا إلى إعادة تفكير كبيرة. ألان روزبريدجر الذي أشرف على تحرير الصحيفة على مدى 20 عاماً حتى أيار (مايو) 2015، تخلّى عن خططه ليتولى رئاسة صندوق سكوت تراست، الذي يُدير صناديق الأوقاف التي تدعم "الجارديان".
وكان هناك خوف من أن أموال الصندوق ستُستهلَك في غضون عقد من الزمن. وحتى يتيح الصندوق لـ"الجارديان" مزيدا من الوقت، كان يزيد من سيولته خلال الـ14 شهرا الماضية، من خلال بيع ما تبقى من حصته البالغة 22 في المائة في مجموعة المناسبات ووسائل الإعلام للشركات "أسينشيال".
ونجم عن ذلك جمع 273 مليون جنيه - تم بيع آخر شريحة من الأسهم مقابل 100 مليون جنيه في آذار (مارس) - ما أدى إلى زيادة الوقف والأموال السائلة على المدى المتوسط إلى أكثر من مليار جنيه بقليل. لكن بعد الاستفادة من حصتها البالغة 50.1 في المائة في "أوتو تريدر"، من خلال بيعها في عام 2014 لمجموعة الاستحواذ "أباكس" مقابل 600 مليون جنيه، لم تعُد "الجارديان" تملك مزيدا من الأصول لبيعها.
ووفقا لمحللين، ما لم يتم تخفيض الخسائر وإيجاد مصادر دخل جديدة، ستجد "الجارديان" نفسها بسرعة في المأزق نفسه.
يقول دوجلاس ماكيب، المحلل في "إندرز": "حجم الصندوق وهدف الجارديان الأساسي لتحقيق الاستدامة لا ينبغي أن يتشابكا. في بعض النواحي، كلما كان الصندوق أكبر أصبحت الأعمال أكثر ميلاً من الناحية الثقافية لقبول خسائر تجارية هائلة".
وتعمل فاينر بشكل وثيق مع الرئيس التنفيذي في "الجارديان"، ديفيد بيمسل، على برنامج إعادة هيكلة لمدة ثلاثة أعوام لإنقاذ مجموعة الصحيفة.
وتشمل الخطة تسريح موظفين من العمل وتدابير أخرى لتخفيض التكاليف، مثل الانتقال المحتمل إلى مانشستر والاستعاضة عن الصفحات ذات الحجم الكبير بصفحات من القطع الصغير. 
فضلاً عن مضاعفة جهودها فيما يتعلّق بالعضوية والتبرعات، تعمل المجموعة على إعادة تشكيل علاقاتها مع مجموعات التكنولوجيا العالمية وفي هذا الإطار سحبت الشهر الماضي محتواها من برنامج" إنستانت أرتيكلز" في "فيسبوك" و"أبل نيوز". وتقول إنها تُركّز على توليد إيرادات الإعلانات الرقمية من خلال المواقع الخاصة بها.
وقال بيمسل: "كاترين وأنا قلنا إننا سنكون صحيفة مستدامة بحلول العام الثالث. كان الأمر صعباً - لكن العام الأول تحقق". وأضاف أن الشركة تهدف إلى تحقيق التعادل على مستوى التشغيل بحلول عام 2019.
ويخشى صحافيون أن يتطلب تحقيق ذلك تخفيضات أعمق في غرفة الأخبار. قالت فاينر إن "هدفها هو تخفيض التكاليف دون التأثير على نوعية الصحافة".
التوسع في الولايات المتحدة، الذي أشرفت عليه فاينر، وكان في طليعة طموحات "الجارديان" العالمية، تم تقليصه الآن، ما أثار تساؤلات من بعض الصحافيين بشأن استراتيجيتها الأمريكية، تماماً في الوقت الذي جعلت فيه رئاسة دونالد ترمب وجودها هناك أكثر أهمية من قبل.
يستنتج أحد الصحافيين السابقين: "إحساسي هو أنه كلما قلَّت قدرتك على تحقيق صحافة مميزة قوية، ازدادت الصعوبات التي تواجهها في جعل الناس يدفعون مقابلها".