زاهي حواس

ظهر في الآونة الأخيرة لغط كثير حول شخصية «فرعون الخروج»؛ وبالتحديد حول اسمه؛ وأصله؟ وقد ورد برواية الكاتب الشاب أحمد مراد «أرض الإله» أن فرعون هو اسم الملك الذي اضطهد اليهود بمصر، وأنه لم يكن مصرياً، وإنما ينتمي لأحد الأقوام الآسيويين الذين احتلوا مصر خلال ما يعرف بحقبة الهكسوس، الذين حاربهم أحمس واستطاع القضاء عليهم في النهاية. بعد ذلك كان من الغريب أن يقوم الدكتور مصطفى وزيري، وهو أثري مصري، بمحاولة فاشلة بتحويل الخيال إلى حقيقة، ومحاولاً إثبات أنه بالفعل كانت كلمة فرعون اسم علم وليست لقباً، كما أكد معظم الباحثين ودارسي المصريات! هذا بالإضافة إلى أن الدكتور وزيري مصر على سحب الجنسية المصرية من فرعون موسى ومنحه جنسية أخرى؛ حيث قال مؤخراً إن فرعون جاء من شبه الجزيرة العربية! وقد فندنا من قبل في سلسة مقالات كل هذه الآراء ليس بالنقد فقط وإنما بالتحليل وبالأدلة الأثرية. والقرآن الكريم ولحكمة يعلمها الله يحافظ على ستر الأسماء والأعداد في السور والآيات، مثلما الحال مع أهل الكهف وصاحبي الجنتين، وغيرهم كثير من الأمثلة.
لقد كان القصر الملكي في مصر منذ عصر بداية الأسرات يعرف باسم (بر - نيسوت) أي «قصر الملك»؛ (بر) بمعنى منزل أو بيت أو قصر؛ وكلمة (نيسوت) تعني الملك. وكان يكتب أيضاً (بر - عا) بمعنى «القصر العظيم». وخلال عصري الدولة القديمة والوسطى نرى أن الملك الذي يحكم مصر يسمى (نيسوت) بمعنى ملك، ولا تذكر كلمة فرعون؛ وكان من الإعجاز القرآني عند الحديث عن مصر أيام سيدنا يوسف عليه السلام أن يعرف حاكم مصر بأنه الملك وليس الفرعون! والسبب وجود يوسف عليه السلام في مصر قبل الدولة الحديثة. ومع بداية الدولة الحديثة وتأسيس الإمبراطورية المصرية التي حكمت الشرق الأدنى القديم كله أو معظمه؛ أصبح يشار إلى الملك بأنه (بر - عا) أي ساكن القصر العظيم؛ وفي اللغة العبرية تحولت الباء إلى فاء، والألف إلى واو، فأصبحت فرعو؛ ولحب التنوين في العربية وصلت الكلمة إلى شكلها النهائي فرعون. وفرعون هذه أو «بر - عا» في أصلها المصري القديم أصبحت لقب حاكم مصر منذ الدولة الحديثة وحتى نهاية العصور الفرعونية مع دخول الإسكندر الأكبر إلى مصر في عام 332 قبل الميلاد.
والغريب أن ظاهرة تسمية الحاكم أو نعته ضمنياً بالمكان الذي يقطن فيه قد صارت عادة ونراها في عصورنا الحديثة فيقال مثلاً: «أصدر الباب العالي فرماناً» بدلاً من أن يقال: «أصدر السلطان العثماني فرماناً»، وهكذا يقال: «الإليزيه» في فرنسا؛ و«البيت الأبيض» في الولايات المتحدة الأميركية؛ و«الكرملين» في روسيا. ومن المعروف أن الملوك في مصر القديمة كان لهم خمسة أسماء لم يكن «بر عا» من ضمنها، ولكن مع تحول مصر إلى إمبراطورية، وتحول حاكمها إلى صاحب سلطة مطلقة أصبحت الإشارة إليه باسمه شيئاً يتنافى مع المكانة العظيمة التي يتبوأها؛ لذلك كان يشار إليه بأنه «بر عا» أي ساكن القصر العظيم. ولدينا النصوص المسجلة على جدران المعابد والمقابر وعلى البرديات التي تعود إلى الدولة الحديثة وما بعدها، وتطلق على الملك كلمة «بر عا» أي فرعون؛ ومثال على ذلك نصوص معركة قادش التي خاضها رمسيس الثاني ضد الحيثيين، وفيها مواضع كثيرة يطلق فيها كلمة «بر عا» على رمسيس الثاني. وقد حدث خلال الأسرات «25، 26، 27» أن أصبح «بر عا» ضمن الألقاب الملكية صراحة. وفي معبد دندرة أدلة واضحة على أن «بر عا» أصبح لقب الملك مثلما الحال مع بطلميوس الثاني، حيث سبقت أسماؤه بالمعبد كلمة «بر عا» أي الفرعون بطلميوس الثاني. وفي حالات كان يكتب داخل الخرطوش الملكي كلمة «بر عا» فقط، أو توضع قبل الخرطوش الذي يترك فارغاً لعدم معرفة اسم الحاكم الموجود بالإسكندرية، ففي بعض الأحيان كان الخبر يستغرق 6 أشهر ليصل من الإسكندرية إلى جزيرة فيلة بأسوان في أقصى الجنوب..