محمد السلمي

في رأيي، توجد 5 نقاط رئيسية تختصر الإجابة عن سؤال حاجة المنطقة لأميركا، وتخدم مصالح الجميع، وتمنع شبح الحرب الذي يخشاه كثيرون في المنطقة وأميركا والعالم بأسره

يتردد كثيرا سؤال مهم ونحن نستقبل الرئيس الأميركي دونالد ترمب في المنطقة العربية، وقد اختار الرياض المحطة الأولى في زيارته الأولى خارج الولايات المتحدة الأميركية: ماذا تريد المنطقة من أميركا في الظروف الراهنة؟ لقد كانت السنوات الثماني الماضية سنوات عجافا، لا في الدور الأميركي السلبي في المنطقة وحسب، بل في القضايا الشائكة في العالم.
ما دعاني إلى كتابة هذا المقال هو نقاشات كثيرة دارت بيني وبين عديد من الباحثين في واشنطن مؤخرا، سواء في الندوات أو في مراكز الفكر، ولعل الإجابة عن هذا السؤال تبدو سهلة للمتلقي العربي، لكنها معقدة لدى الأميركيين في ظل الخشية من الدخول في حروب والانخراط في تعقيدات جديدة بعد تجربتي العراق وأفغانستان، وما خسرته واشنطن من ضحايا، مما كون رأيا عاما مناهضا لأي تدخلات جديدة. 
في رأيي، توجد خمس نقاط رئيسية تختصر الإجابة عن هذا السؤال، وتخدم مصالح الجميع، وتمنع شبح الحرب الذي يخشاه كثيرون في المنطقة وأميركا والعالم بأسره: 
1. إعادة التوازن إلى المنطقة، وتصحيح أخطاء الإدارة السابقة، المتمثلة إن لم يكن في التمكين، ففي غض النظر عن الدور الإيراني السلبي في المنطقة العربية والتساهل في دعم طهران للإرهاب وإثارة الطائفية. لقد أثبتت فترة ما بعد الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1 فشل المراهنة على إعادة تأهيل النظام الإيراني وتحويل توجهاته من سلوك ثوري إلى دولة طبيعية، فلم يتغير السلوك العدائي للنظام الإيراني في المنطقة، بل ارتفعت وتيرته، وتحولت الأموال المفرج عنها إلى الميليشيات والمرتزقة في العراق وسورية واليمن والبحرين ولبنان.
2. محاربة الإرهاب بانتماءاته وأسمائه كافة، والأخذ في الاعتبار أن تجاهل نوع من الإرهاب ومحاربة آخر لا يقود إلا إلى مزيد من الصراع وظهوره بأسماء جديدة قد تكون أكثر خطورة من التنظيمات والجماعات الحالية، في ظل وجود إرهاب مدعوم من الدول، وهو أكثر خطورة من غيره. ولعل التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب المكون من 41 دولة إسلامية بقيادة المملكة العربية السعودية، في ظل ما تملكه الرياض من خبرات متراكمة في هذا الصدد، سيكون رافدا قويا لإنجاح هذه المهمة الإنسانية والاستراتيجية للعالم بأكمله، فليس هناك دولة بمنأى عن خطر الإرهاب في هذا الوقت.
3. معالجة الحالة العراقية وتقليص الهيمنة الإيرانية على القرار العراقي المستقل، فإعادة تأهيل العراق قد تمثّل رمانة الصراع في المنطقة، بسبب موقعها الجغرافي المهم، في ظل تهميش مكونات كبيرة ومختلفة من الشعب العراقي. لقد شهِد العراق أخطاء وقعت فيها الإدارات الأميركية السابقة بعد إسقاط نظام صدام حسين وتحويله إلى ساحة للانتقام التاريخي، لا سيما وقد وصل إلى مناصب قيادية في العراق بعض من كانوا يوما يقاتلون إلى جانب النظام الإيراني ضد وطنهم إبان الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، فكيف يمكن أن يصبح مثل هؤلاء موالين لوطنهم، بينما الولاء خارجي في الوقت ذاته؟
4. العمل على حلول حقيقية للقضية الفلسطينية وإعادة إحياء عملية السلام بين العرب وإسرائيل، والضغط على الأخيرة لقبول المبادرة العربية، بخاصة أن المحطة التالية للرئيس ترمب هي تل أبيب. وكما يعلم الجميع يوجد من يستغل هذه القضية من الجانب العاطفي للمسلمين، لا لخدمة القضية والبحث عن حلول لوقف الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، بل لصالح مشاريعه التوسعية وتشكيل الميليشيات، ومعارضة أي حلول أو مبادرات مقترحة لوقف نزيف الدم من الجانبين، فالعيش بسلام مطلب شامل للأطراف كافة.
5. دعم الحكومة اليمنية المنتخبة والحيلولة دون تحول اليمن إلى دولة فاشلة في المنطقة العربية وتحولها إلى بؤرة جديدة للإرهاب والاقتتال الطائفي، وذلك من خلال دعم التحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن استخباراتيا ولوجستيا. إن الأمر في اليمن لا يتعلق بأمن الدول المتاخمة لليمن فقط، بل هو مطلب دولي في ظل تهديد سلامة الملاحة البحرية وتدفق الطاقة إلى الأسواق العالمية، ودون حماية الممرات المائية والحيلولة دون إغلاق مضيق باب المندب ومضيق هرمز، فإن الدول الغربية ستكون أكثر المتضررين بسبب ارتفاع أسعار النفط، ومن ثم فسوف ينعكس بدوره على المستوى الاقتصادي لشعوب تلك الدول.
إن العمل على تحقق هذه الحلول سيقود إلى منطقة أكثر أمنا، ويؤسس لحالة من التعايش الدائم، وهي في نظري ليست حلولا مستحيلا تحققها، بل هي ممكنة متى وجدت الرغبة الحقيقية فيها وفي تجنب تفاقم الأمور وخروجها عن السيطرة بشكل قد يكون مفاجئا للجميع.