جاكوب ستوكس

يبدو من الإنصاف القول إن اهتمام إدارة ترامب بإجراء محادثات دبلوماسية مباشرة وصادقة مع رئيس نظام كوريا الشمالية كيم جونج أون، يزداد الآن بشكل واضح. وقد بدأ الرئيس ترامب وأعضاء إدارته بوضع الخطوط الأساسية للتفاوض مع «كيم» حول برنامج التسلح النووي لكوريا الشمالية وبرامجها الخاصة المتعلقة بالصواريخ البالستية.. ويبدو أن البعض في البيت الأبيض يقف ضد هذه الفكرة، لكن مسؤولين حكوميين آخرين يؤيدون فكرة التوصل إلى نتائج معقولة من هذه المباحثات المقترحة، وقد كرر ترامب موقفه المؤيد لإدارته في هذا الشأن، وقال إنه سيعقد اجتماعاً مع كيم جونج أون عندما تتوافر الظروف المناسبة لذلك. ويفترض أن تتبع الإدارة سياسة ثابتة ومحكمة لدعم خيار المحادثات، والذي قد يمثل استراتيجية ذكية للأمن الوطني حتى لو لم يحقق أي نجاح. وقد تبدو محاولة الحصول على نتائج من وراء محادثات مع نظام «كيم» أمراً مثيراً للإحباط، خاصة بسبب الطبيعة الصعبة لذلك النظام.

وهناك أربعة أسباب تكمن في عمق الحقائق القاسية يمكنها أن تعطي لهذه العملية السياسية معنى منطقياً.ويتعلق السبب الأول بضرورة منح كيم جونج أون الفرصة لتقديم تنازلات. ومعلوم أن الخطة التي تنتهجها الإدارة الأميركية الآن ترتكز على زيادة الضغوط الاقتصادية والعسكرية على «كيم» للتخلي عن برامجه النووية والصاروخية، وفرض مزيد من العقوبات عليه. وتفترض استراتيجية ترامب أن «كيم» سيستجيب لهذا الضغط المتزايد. وحتى تنجح هذه الاستراتيجية، على واشنطن أن تقدم لنظام بيونج يانج خيارات واضحة، بحيث يجد الحوافز المناسبة للابتعاد عن مساره الحالي، وتبني السلوك الأكثر ملاءمة لمصالح الولايات المتحدة. وإذا نجحت الخطة، فسيحتاج المفاوضون الأميركيون لعقد لقاءات من أجل الكشف عن الطبيعة التقنية المعقدة اللازمة لتفكيك ونزع الأسلحة الصاروخية والنووية. ويتحتم على واشنطن أن تلتزم بالأساليب التي تكفل لبيونج يانج حفظ ماء الوجه، ولابدّ من الانتباه لهذه النقطة أثناء المباحثات. ويكمن السبب الثاني في ضرورة الكفّ عن اعتماد سياسة «الصبر الاستراتيجي» التي تبنّتها إدارة أوباما، وتشغيل ساعة العد التنازلي لإنهاء القضية. ومنذ فترة، اتضح أن سياسة ترامب إزاء بيونج يانج لا تختلف عن سياسة أوباما إلا في قوة النبرة. وسبق لإدارة ترامب أن كررت في مناسبات عديدة أنها تريد التخلص تماماً من سياسة أوباما «الصبر الاستراتيجي» إزاء كوريا الشمالية التي تبنتها الإدارة السابقة منذ 2012. وما حدث بعد ذلك هو أن تقديرات الإدارة والجيش والمخابرات أكدت أن كوريا الشمالية تعمل على تطوير برامجها النووية والصاروخية بسرعة لم تكن متوقعة. وهذا ما يقتضي الإسراع بإجراء المباحثات.

ويرتبط السبب الثالث بضرورة الإبقاء على الصين قريبة من المشهد مع تجنب إعطائها دوراً محورياً في تقرير نتيجة المفاوضات. وقد حمّل ترامب الصين عبء الاهتمام بنشاطات كوريا الشمالية الاستفزازية، لكن الصين ترفض تحمل هذه المسؤولية، وجاء رد فعلها على شكل إيماءات رمزية غامضة يمكن أن نفهم منها أنه من غير الكافي الاعتماد على بكين وحدها لمتابعة السلوك السيء لكوريا الشمالية.والسبب الرابع والأخير الذي يمكن أن يجعل من المفاوضات استراتيجية ذكية ربما يكون هو الأكثر أهمية، حيث يمكن لإدارة ترامب أن تشير إلى أنها قد تضطر لاستخدام القوة العسكرية لتدمير البرامج الصاروخية والنووية لكوريا الشمالية، لكن الخيارات العسكرية هذه قد تنطوي على مشاكل كبيرة. وأي ضربة موجهة إليها حتماً ستكون دموية، وغالباً ما ستكون متبوعة بردات فعل انتقامية قوية من جانب بيونج يانج نفسها، خاصة ضد كوريا الجنوبية واليابان.

وإلى ذلك فإن مجرد الانشغال بالجهود الجدية الرامية للتفاوض بحثاً عن الحلول، سيشكل سبباً قوياً لاكتساب واشنطن الدعم العالمي لخوض الحرب. ومعلوم أن معظم دول العالم، بما فيها حلفاء الولايات المتحدة، تكيل الانتقادات عادة لاستخدام القوة العسكرية في حل المشكلات السياسية الدولية.

*محلل سياسي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون ميديا سيرفس»