سليمان العيدي

يطلق هذه الأيام على الرياض عاصمة القمم، نظرا لاحتضانها أكثر من تجمع عالمي على مستوى الزعماء، بدءا من القمة السعودية الأميركية، إذ تجمع الزعيمين الكبيرين الملك سلمان ودونالد ترمب في تقدير أميركي، ونظرة إعجاب للمواقف الصادقة، والنجاحات التي حققتها المملكة في مكافحة الإرهاب والجريمة، وغسل الأموال والمخدرات، وتحقيق الأمن والسلم الدوليين، التي عجزت عن تحقيقها كثير من دول العالم، وعندما فكر ترمب في بداية التحرك الدبلوماسي عبر الطائرة الرئاسية الجديدة ذات القصر الفضائي، كما صورتها عدسات التلفزيون، فإنه فكر في الدولة التي مدّت يدها لتقف في وجه التغطرس الإيراني وحلم الملالي في إرباك المشهد العالمي وعدم استقراره، خاصة بعد الإعلان عن كون إيران دولة راعية للإرهاب. 

نعم، فكّر في أول بلد مُنِح جائزة جورج تنت في مكافحة الإرهاب، وفي الدولة التي وقفتْ صلبة في وجه النظام في سورية حتى يرحل الأسد، وفي الدولة التي بذلت كل ما في وسعها لحقَنْ دماء الأشقاء في العراق لسنوات، وسجلت موقفا، أننا مع شعب العراق الأبيّ، لكننا ضد السياسة المتناقضة التي سمحت لإيران أن تجوب شمالها ووسطها، وتزرع الحشود الشيعية في كل مكان. يأتي ترمب بعد هذه المواقف الداعمة للشرعية في اليمن، والدور الحقيقي الذي تلعبه المملكة تجاه الأشقاء في اليمن، ومحاربة اليد الغادرة من الحوثي. 

يأتي ترمب بعد هذا كله وغيره مما سيكون مدار بحث في القمة السعودية الأميركية، ثم القمة الخليجية الأميركية، وما يحمله زعماء الخليج من ملفات متعددة اقتصادية وسياسية، تطابقت وجهات نظرهم حولها، وستكون عبر ملف واحد يتكاتف فيه الخليجيون أمام القيادة الأميركية، ومعرفة دورها المقبل في منطقة الخليج، والتأكيد على المواثيق والاتفاقيات المبرمة مع قيادات الخليج والحكومة الأميركية على مر العقود الماضية، والتفاهمات المسبقة، بأن أمن الخليج من أمن العالم كله، ولن تسمح دُوَلُه مهما كلف الثمن أن يُختَرق أمنها، وأن على الولايات المتحدة أن تدرك أن الورقة واحدة تجاه أمن الخليج، وهي رسالة بلا شك تدركها القيادة الجديدة في أميركا. 

وستفرز هذه الزيارة وهذه القمة هذه الاتفاقيات، وتعيد المواقف المعهودة للعلاقات الأميركية الخليجية على مر العقود، والتي شابها بعض التردد، إبان حكم أوباما، لكن المبشر الذي نتوقعه عطفا على اختيار الإدارة الأميركية للزيارة الأولى لرئيسها الجديد، أن لقاء ترمب مع القادة الخليجين سيكون نقطة تحول جادة في الارتقاء بهذه العلاقات، والدفع بمناقشة الملفات التي بحثها وزراء خارجية تلك الدول مع نظيرهم الأميركي. 

أما القمة الثالثة، فهي قمة عربية إسلامية أميركية، ستكون فيها كلمة الوحدة والقوة التي أعلنتها الدول الإسلامية والعربية في الاتحاد الإسلامي العسكري، وهي أيضا ستكون أكثر الملفات بحثا مع الرئيس الأميركي وإدارته ومستشاريه، الذين سبقوا القمة باجتماعات ثنائية ولقاءات تشاورية، تصب في مصلحة العلاقات المقبلة لهذه الدول مع الحكومة الأميركية، وبالتأكيد على رأسها محاربة الإرهاب وهزيمة «داعش» وأحداث اليمن والوضع في سورية، وهي ملفات ساخنة قضت وقتا طويلا من الانتظار إبان حكم أوباما الذي تعامل مع هذه الملفات على أنها ملفات وقتية، أسهم في حفظها في أدراج البيت الأبيض، حتى وصل بنا الحال إلى ما نشاهده من قتل وتشريد وظلم لكثير من أبناء العالم، خاصة سورية التي أهدر دمها نظام الأسد، وكذا العراق بميليشاته الحشدية، وتدخل إيران في المنطقة، وعدم الاستقرار في اليمن، الذي لولا توفيق الله ومُضِي عاصفة الحزم، لرأينا صورة مختلفة فيها، والتي أدركت دول التحالف العربي دورها في وجه الظلم والعدوان الحوثي المدعوم من صالح وإيران. بهذا كله ستكون ملفات تلك الدول أمام القمة العربية الإسلامية الأميركية، التي تحدث للمرة الأولى في تاريخ القرن الحالي، في أن تُحشد هذه الدول في المملكة أمام مناظرة جادة، ومكاشفة صريحة مع الولايات المتحدة وزعامتها في عالم اليوم. 

إن التحدي في هذه القمم الثلاث سيكون في القدرة على كشف الزيف الإيراني في المنطقة، بل في العالم، وتعطيل برنامجها النووي، وردعها عن التدخل في شؤون المنطقة، وعلى وجه الخصوص منطقة الخليج العربي، وفعلا شعارنا الحزم يجمعنا.