عبدالله العوضي

لا نُريد الاستغراق كثيراً في جدلية الشخص القادم، أو الفرد الذي يقود في أي دورة انتخابية مقبلة، لأن أهمية أميركا الحقيقية ليس فيمن يقودها فقط، بل في المجتمع الذي يولّد القيادات من مختلف المشارب، وإن كانت الحياة السياسية محصورة منذ النشأة الأولى لأميركا في حزبين ديمقراطي وجمهوري، والمحاولة الوحيدة التي بذلت لإنشاء حزب ثالث وسط بين الحزبين كانت لكولن باول، ولم تستمر طويلاً حتى تراجع لصالح أميركا في حزبيها حفاظاً على مصلحة الوطن الأم.

أحياناً مسار الإعلام يمضي في متابعة حركة الرئيس السياسية بعد انتخابه، ولكن هذا المسار الذي يركز على الرئيس لا يستمر طوال فترة رئاسته الأولى أو الثانية وحَمِيَّة الاهتمام دائماً تأتي في السنة الانتخابية غالباً، حتى تخفت ما أن ينصب الرئيس رسمياً، ثم تبدأ بوصلة الاهتمام تدور حول الشعب الأميركي واحتياجاته الذاتية في الداخل، وهو الثمرة الحقيقية للاستحقاق الرئاسي منذ قرون، ويتحدث بعض المحللين، وخاصة من العالم العربي وكأن ما يحدث في أميركا حدث لحظي لأول مرة، وهذه النظرة لا ينبغي الالتفات إليها إذا أردنا التطلع إلى المستقبل.

وهذا يستدعي منا أن نعايش السياسة على وقع المفاجآت التي تعطل فينا طاقات التفكير الإبداعي الخلّاق، وخاصة في التعامل مع الشأن الأميركي، بغض النظر عن الرئيس القائد لأميركا.

أرأيتم رئيساً ينصب في العالم والعوالم تتسارع إليه لنيل شرف هذا اليوم في أميركا، لا أعني بذلك كل دول العالم وليس مطلوباً ذلك، وليس هناك ما يلزم رؤساء الدول الأخرى للذهاب، سواء شخصياً أو إنابة للوجود في هذا الحدث، ولكن جرت الأعراف السياسية أن يفعل البعض ذلك.

وفيما بعد التنصيب يتوافد رؤساء الدول المؤثرة في السياسة الدولية للمبادرة بلقاء الرئيس الأميركي إما وجوداً أو مهاتفة، وفي كل ذلك أدلة على أهمية هذه الدولة العظمى، حتى لو كان المنطلق محلياً أو إقليمياً، فلا زالت عطسة أميركا تلقى تشميتاً ليس في بكين كما قيل في المثل السياسي، بل في العوالم الثلاثة المتقدمة والنامية والمتخلفة والتي بعد ذلك الموصوفة بالفاشلة.

هذا الوضع من «ولاء الحلفاء» غير المباشر سياسياً لأميركا يحدث في الوقت الذي يزداد فيه الحديث عن تراجع السياسة الأميركية عن الاهتمام بقضايا العالم الساخنة، وخاصة في منطقة ولادة للأزمات، الشرق الأوسط الذي أراد له «بيريز» أن يكون جديداً في تسعينيات القرن الماضي، فغدا أكثر تراجعاً عن ذلك العهد الذي لم يولد فيه ربيع مدمر ولا تطرف ساحق لكل ذرة أمل تعيد إلى الأمة العربية والإسلامية حيويتها ورونقها.

شرق أوسط اليوم تبحث عن الوسطية في دينه والاعتدال في فكره والتسامح مع نفسه والآخر، فهذا هو التحدي الذي خلقته «الهمجية» الثائرة في موجة توسونامي «الربيع» الذي تحول إلى خريف طال أمده وغير موسمه.

في ظل أميركا اليوم من العقلانية السياسية الرشيدة التعامل مع هذه الدولة الحضارية، كما هي وهذا عين الحكمة ورئتها، فلا ضير لأي دولة وفي أي قارة أن تخطب ود أميركا وفقاً لمصالحها الوطنية، كما ترى أميركا عهد ترامب «أميركا أولاً»، فعلى كل دولة أن تفعل ما يناسب مصالحها أولاً، أليست في ذلك عدالة سياسية وإن كانت مع دولة بحجم أميركا؟