محمد الباهلي

منذ فترة كنت قد كتبت منبهاً للتوجهات التي أصبح يطرحها بعض الكتاب والمثقفين العرب، ويطعنون من خلالها أحياناً في تاريخ الإسلام وتراثه ورموزه. 

وقلت إن هؤلاء هم تلاميذ للاستشراق وبعض رموزه المتطرفين، وإن هدف بعضهم أحياناً هو إبعاد عقول الشباب عن الصورة الصادقة للإسلام الحنيف السمح، ومن ثم إثارة البلبلة الثقافية والفكرية، بغية نيل مكاسب شخصية وبدافع حب الشهرة والظهور.. 
وهذا بذاته هدف يجعلهم يزيفون ويضللون ويكذبون، حتى يلتفت الآخر لهم، وأعني به القوى الخارجية الداعمة لتوجهات كهذه، فتبرزهم إعلامياً وتمولهم مادياً، كما تخلع عليهم ألقاب التفخيم والتبجيل الكثيرة، وكل ذلك بغية استخدامهم لصالح مخططاتها من أجل هدم المجتمعات العربية، عبر هدم هدم معتقداتها وتشويه رمزياتها.

ولعل أحدث مثال على ذلك هو المزاعم الأخيرة للكاتب يوسف زيدان حول القائد العظيم صلاح الدين الأيوبي، والتي لا يرددها إلا متطرفو المستشرقين حول قائد مسلم أسس الدولة الأيوبية ووحّد الأمة الإسلامية، وقضى على الدولة الفاطمية، واستعاد القدس وحرر المسجد الأقصى من الاحتلال الصليبي.. 

ولأجل ذلك خصص له ابن الأثير كتاباً يبلغ عدد صفحاته 220 صفحة، وألف حوله «جنفياف شوفيل» كتاباً جميلاً بعنوان «صلاح الدين بطل الإسلام» (442 صفحة) أشاد فيه بصفاته مجموعة كبيرة من كتاب ومفكري الغرب. وقد قال بعض معاصري صلاح الدين عنه إنه كان عالماً بالهندسة والرياضيات والشريعة الإسلامية، كما كان شديد الولع بعلوم الفقه والحديث الشريف.

لكن المشكلة الأكبر تكمن في أن بعض الكتاب الذين يسيؤون إلى سير العلماء والقادة والصحابة، يدعون أنهم مفكرون وباحثون ومؤرخون وعلماء بالمخطوطات وروائيون وأصحاب علم غزير، لكنهم مع ذلك يضربون بعرض الحائط كثيراً من الأسس المنهجية للكتابة التاريخية ولقواعد البحث العلمي الصحيح.. بل لا يتورعون عن تحريف النصوص التاريخية وتأويلها حسب الأهواء وكما يريدون. وهم الذين قال عنهم الفيلسوف الراحل الدكتور عبدالرحمن بدوي إنهم سقطوا في غواية الاستشراق الغربي وأصبحوا خداماً للمخططات الأجنبية، أما رسالتهم فهي أن يعملوا على تشويه التراث الإسلامي.

وكان بدوي واضحاً وصريحاً في حواره مع مجلة «الحرس الوطني» السعودية الصادرة في الأول من شهر أكتوبر عام 2002، عندما قال: «لا أستطيع التعبير عما بداخلي من إحساس بالندم الشديد على معاداتي الإسلام والتراث العربي لأكثر من نصف قرن. 
أشعر الآن أنني بحاجة إلى من يغسلني بالماء الصافي الرقراق لكي أعود مسلماً حقاً. لذا قررت أن أكون جندياً للفكر الإسلامي والدفاع عن الحضارة التي شادها الآباء والأجداد والتي سطعت على مشارق الأرض ومغاربها لقرون وقرون». ويتابع بدوي: «أي عقل ناضج يفكر لا يثبت على حقيقة واحدة، لكنه يتساءل ويستفسر في كل وقت ويجدد نشاطه باستمرار، ولهذا فأنا الآن أعيش مرحلة القرب من الله تعالى والتخلي عن كل ما سبق أن كتبته من آراء تتصادم مع العقيدة والشريعة».

وهكذا، فبعد قراءته لآداب وفلسفات الغرب، في لغاتها الإنجليزية والفرنسية واللاتينية والألمانية والإيطالية، خرج بدوي بنتيجة تقول إن العقل الأوروبي لم ينتج أفضل مما أنتج نظيره العربي. لذلك نجده يقول في آخر أيام حياته: لقد هضمت تراثنا الإسلامي، قراءة وتذوقاً وتحليلاً وشرحاً، وبدا لي أنه لم يتأتَّ لأمة من الأمم مثل هذا الكم الزاخر النفيس من العلوم والآداب والفنون الذي أنتجته أمة الضاد.

ومع ذلك يطلع علينا من هو أدنى كعباً في الفكر والمعرفة الأدبية والفلسفية والتراثية من الفيلسوف بدوي، ليهاجم تاريخ الإسلام ويسيء إلى رمز من رموزه الناصعة مثل القائد البطل صلاح الدين الأيوبي!