حوار أجراه ــ عبد العظيم الباسل

 

 

< ما لم تضرب الدولة بيد من حديد على المتاجرين بالدين فستظهر نماذج أخرى

< كشفنا علاقة عبد الله رشدى بصلاح أبو إسماعيل فزايد علينا بالدفاع عن الأزهر

< المناهج الأزهرية فى حاجة إلى تجديد ولكن من هم المجددون؟!

< أنشأنا المجلس العالمى للسلام بأعضاء مسيحيين إلى جانب المسلمين

< 3 شروط أساسية فى كل مجدد للخطاب الدينى

< وجبة روحية وثقافية دسمة للشباب فى رمضان

< ضوابط محددة للاعتكاف حتى لا تستغل المساجد سياسيا

< أدعو الهيئة الوطنية للإعلام إلى منع ظهور أمثال رشدى وعبدالجليل بالفضائيات

< لن تنجح جهة بمفردها فى مواجهة التطرف والفكر الهدام

< أرفض المساس بفضيلة الإمام ومشيخة الأزهر

 

ماذا كان يهدف د. سالم عبد الجليل من الإساءة للأقباط؟
ولماذا تضامن معه الشيخ عبد الله رشدى إمام مسجد السيدة نفيسة بتأييد إساءته؟ ولماذا انطلقت هذه الفتن فى هذا الوقت بالذات؟ وما هو أثرها فى الداخل والخارج؟
وفى ذات الإطار.. سيل الفتاوى إلى متى يتدفق؟ وهل ينجح قانونها الأخير فى إيقافه؟ أما الأزهر وإمامه الأكبر، فلماذا يكونان فى بؤرة الاتهام؟

تلك الأسئلة وغيرها من علامات الاستفهام، كانت تدور برأسي، خلال الطريق لوزير الأوقاف الدكتور مختار جمعة، الذى تفرضه الضرورة للحوار الآن، لأنه المسئول الأول عن الخطاب الدعوى فى مصر، وهو الأجرأ بين أقرانه فى مواجهة التيارات الظلامية المتشددة بإقصائها من فوق المنابر، ولعل إقالته لأكثر من 12 ألف داعية وإمام خير شاهد على هذا الكلام.
قبل الدخول إلى مكتبه، لإجراء الحوار، كان هناك ارتباك واستنفار بين مساعديه، وسكرتاريته الخاصة التى استأذنتنا فى إرجاء الحوار برهة من الوقت، حتى ينتهى الوزير من أمر مهم بين يديه، وبعدها سيكون جاهزا للقاء.
وما أن جلسنا للحوار، حتى قادنى الفضول المهنى لأول سؤال عن الأمر المهم الذى أرجأ حوارنا لبعض الوقت؟
الوزير: بصراحة، هذا البيان الذى وقعناه بتاريخ 15/5 صباح الاثنين الماضي، بمنع الدكتور سالم عبد الجليل، والشيخ عبد الله رشدى من صعود المنابر، بعد أن أساء إلى الإخوة المسيحيين عبر الفضائيات، وجرح مشاعرهم بالتطاول على عقيدتهم، الأمر الذى يثير الفتن ويكرس الطائفية، والوزارة لن تسمح لمثلهما أو غيرهما بصعود المنابر لإثارة الفتن، بعد أن خرجا عن منهج الوسطية، وسماحة الإسلام.

وماذا كان يقصد كل منهما بتلك الإساءات؟
الوزير: للكل أن يعلم أن الدكتور سالم عبد الجليل، قد انتهت خدمته بالأوقاف منذ عام 2014 بناء على استقالته، ولجنة القيم بالقطاع الدينى فى الوزارة أصدرت بيانا تمنعه من صعود المنبر، أو الخطابة بالمساجد، أو حتى الدروس الدينية فى أمسيات رمضان القادمة، وهو يفعل ذلك خدمة لأعداء الوطن عن جهل أو قصد!
والشيخ عبد الله رشدى إمام مسجد السيدة نفيسة؟
كان يحاول خلط الأوراق، عندما أيد سالم عبد الجليل فى إساءته، وجعل من نفسه مدافعا عن الأزهر، بينما فى حقيقة الأمر، كنا نحقق معه بشأن ما كتبه على وسائل التواصل الاجتماعي، ونشر فيديوهات خاصة به مع الشيخ صلاح أبو اسماعيل المحبوس الآن، فأراد أن يفلت من تلك الاتهامات، بدفاعه المغلوط عن الأزهر وشيخه، مزايدا علينا فى هذا الشأن، بينما شيخ الأزهر بالنسبة لى شخصيا هو أستاذى وصاحب فضل كبير، ونحن أولى بشيخ الأزهر منه.
وما هى تهمتهما تحديدا؟
قال: تأجيج الفتن، وإثارة الناس عبر وسائل الإعلام، وبعد أن فشل أعداؤنا فى النيل من وحدتنا، بدأوا فى تجنيد هذه النماذج من داخلنا، ومن يفعل ذلك يخدم أعداء البلد إما عن جهل أو عن قصد، أو حب للشهرة والسعى نحو الأضواء ومن يفعل ذلك إما عميل خائن أو جاهل ومالم نضرب كدولة على هذه النماذج بيد من حديد، فستظهر نماذج أخري!
بماذا تقصد الضرب بيد من حديد من جانب الدولة؟
قال: أنا كوزارة أوقاف أديت دورى بمنعهما من صعود المنابر والاحتكاك بالناس، وهذا ما أملكه، ويبقى دور الإعلام، وعلى الهيئة الوطنية للإعلام أن تصدر قرارا عاجلا بمنعهما بالظهور عبر الفضائيات، لأن فى ذلك مصلحة الوطن وحماية للوحدة الوطنية، وإنهاء للطائفية، التى تهدد أمن واستقرار البلاد.
كما يجب على الإعلاميين حظر استضافتهما، لأن استضافة مثيرى الفتن مشاركة فى ترويجها.
فكل الدول التى آمنت بتنوع الأديان والثقافات والحضارات، حققت الاستقرار الأمنى والتقدم الاقتصادي، بينما كل الدول التى دخلت فى الطائفية تمزقت وانهارت.

 


وما صدى قرار اقصائهما داخليا وخارجيا؟
الوزير: أصدر الاتحاد المصرى لحقوق الإنسان فى مصر والخارج بيانا يؤيد فيه قرار الأوقاف بإقالتهما، كما قام محمد رشاد رئيس حزب مستقبل وطن بتجميد عضوية عبدالله رشدي، الذى كان يدعى مساندته.
قلت للوزير: كيف نحد من هذه النماذج فى ظل سيل الفتاوى الذى يغمر مصر عبر العديد من الفضائيات؟
قال: أناشد مجلس النواب أن يسارع بإصدار قانون الفتاوى الجديد قبل فض الدورة الحالية، لأنه عندما يخرج هذا القانون المنضبط الذى يجرم الفتوى بدون تصريح وقصرها على جهات أربع «هيئة كبار العلماء، ودار الإفتاء، ومجمع البحوث الإسلامية، وإدارة الفتوى بالأوقاف»، وما دون ذلك يتم تجريمه.. وهذا القانون سيحد كثيرا من تلك النماذج التى تتاجر بالدين.
وتوحيد خطبة الجمعة، ألا يحد من نشر تلك النماذج؟
بالقطع، لأن فى توحيدها، استبعادا للآراء الشخصية، والحديث فى قضايا موجهة، بالإضافة إلى أن وضع نظام موحد لها، يمكن من محاسبة من يخل بهذا النظام، كما أن توحيدها يهدف للبناء الثقافي، وإعادة صياغة الشخصية المتلقية لرسالة الخطيب، ولدينا خطة بها 270 موضوعا على 5 سنوات، ومن أهم محاورها الأساسية مواجهة التكفير والفكر الظلامي، وترسيخ القيم والأخلاق، وتعميق فكرة المواطنة، فضلا عن سعينا فى المستقبل لأن تكون الخطبة عن أهم قضية فى الأسبوع بالمشاركة مع وسائل الإعلام والفضائيات.
سيادة الوزير، تجديد الخطاب الدينى من أين يبدأ؟
أجاب: سيبدأ من مسارات متعددة، بداية بضبط الخطاب الدعوى عبر المساجد، مرورا بوسائل الإعلام ورسالتها الوسطية، وانتهاء بتحديث المناهج التعليمية قبل المرحلة الجامعية، وخلالها، ولا يمكن لجهة أن تنجح وحدها دون مشاركة الجهات الأخرى فى مواجهة التطرف والفكر الهدام.
فى هذا السياق هل مناهج الأزهر بحاجة إلى التجديد؟
قال: «لن نقول ليس فى الإمكان أبدع مما كان»، ولكن يقينا، نحن فى حاجة إلى التجديد والتطوير بصفة دائمة، فى التعليم الأزهرى والجامعي، وللأمانة فإن الأزهر قام بنقلة كبيرة ونقح المناهج فى التعليم قبل الجامعي، ونحن بحاجة لتطوير التعليم الجامعي.
كنت من المطالبين باستقلال الأزهر ماديا وإداريا، فهل تراه مستقلا فى هذه الأيام؟
ـ قال: نحن فى دولة مؤسسات، وأنا أؤمن بالدولة الوطنية المتكاملة بمؤسساتها، فى ضوء الدستور والقانون والمصلحة الوطنية، وهناك لواء واحد تنضوى تحته كل الألوية وهو لواء الدولة، ولا يستقيم أن يكون هناك لواء مستقل لكل مؤسسة، أما الاستقلالية الحقيقية، ألا يفرض على أى جهة غير المتخصصين لإدارة شئونها.
وما رأيك فى الهجوم على شيخ الأزهر فى الفترة الأخيرة؟
الوزير: قلت وأكدت أن شيخ الأزهر قامة وقيمة وطنية كبيرة، وأن الأزهر مرجعيتنا ونشرف بأننا أزهريون، وأن فضيلة الإمام الأكبر هو أستاذى وصاحب فضل، وأرفض أى مساس بفضيلة الإمام وأزهره، لأنه رأس المؤسسة الدينية فى مصر، وهدم المؤسسات ليس فى مصلحة أحد، ولكن النقد البناء الموضوعى والهادف مقبول، وليس النقد الهدام، والمشكلة أن الكل يتحدث عن التجديد ولم يدرك «مفهومه»، أو فهمه للخطاب الدينى ووسيلة تجديده.
وماهو مفهوم التجديد فى رؤيتكم؟
قال: نحن بصدد إصدار كتاب جديد تحت اسم «مفهوم التجديد» وسندعو علماء الدين، ورجال الاقتصاد، ورجال الإعلام والمفكرين والكتاب وكبار المثقفين للمشاركة برؤيتهم فى صورة مقالات مكتوبة عن مفهوم كل منهم للتجديد، ونجمع هذه المقالات بمقدمة وصياغة فى كتاب واحد يوضح مفهوم العلماء والمثقفين للتجديد، حتى يحل حوار الحضارات مكان صراع الحضارات.
ومن أجل ذلك أعلنا عن انشاء المجلس العالمى للسلام بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بأعضاء من المسلمين والمسيحيين، بالإضافة إلى علماء دين ومثقفين من مصر وخارجها، بهدف احلال حوار الحضارات بدلا من الصراعات الطائفية والعرقية والدينية، فكل ما يدفع للرحمة والتسامح والتعايش السلمى تجديد، وكل ما يدفع للعمل والانتاج ومصالح الناس تجديد.
ووسائل التجديد بشكل أوضح؟
المسجد والخطابة والدعوة وتدريب الأئمة، بالإضافة إلى نشر الهادف عبروسائل الإعلام، ونظرة شاملة فى مناهج التعليم سواء التعليم قبل الجامعى أو الجامعى سواء كان ذلك بالتعليم العام أو الأزهري، لترسخ كل ما يدعو إلى التسامح والتأكيد على مبدأ المواطنة، فنحن فى حاجة إلى التجديد.
ولكن من هو الذى يجب أن يقوم بالتحديد؟
قال: لابد أن يتوافر فيه ثلاثة شروط اساسية، أولها التخصص الدقيق فى مجاله.
والشرط الثانى ألا تكون له أى انتماءات لأية جماعات متطرفة أو أيديولوجيات مسبقة، لأن العالم المنتمى لأية جماعة، تكون عينه عليها قبل الدين وقبل الوطن، وتأتى الثالثة والأهم، أن يأخذ المجدد دوره متخصصة فى الأمن القومى والمستجدات ا لعصرية، حتى تتواءم أحكامه مع العنصر الذى نعيشه بمتغيراته وتوابعه، وحتى يكون على دراية بمفهوم الأمن القومى والوعى بالوطن.
سيادة الوزير، عودة إلى قانون الفتاوى الجارى صدوره الآن، يرى البعض فيه أنه حرم الأساتذة والمتخصصين فى العلوم الشرعية من حق الفتوي؟ كما أنه جاء متأخرا؟
الوزير: أن تأتى متأخر.. خيرا من ألا يأتى ابدا.. فمنذ صدور قانون الخطابة قبل عامين، وأنا أطالب بسرعة اصدار قانون الفتاوي، والكرة الآن فى ملعب البرلمان.
وهل سينجح فى ضبط فوضى الفتاوي؟
هو قابل للتطبيق، ويمكن أن يضبط الفتوى بمساعدة الإعلام، بعد أن تم قصرها على جهات أربع فقط، أو المصرح لهم بالفتوى من هذه الجهات، حتى تكون مسئولة عن فتاواهم، وهى «مجمع البحوث الإسلامية، وهيئة كبار العلماء، ودار الإفتاء، وإدارة الفتوى بوزارة الأوقاف«.
مقاطعا أسأله: وهنا خرج الوعاظ وائمة المساجد من ساحة الفتوى وأصبحوا عرضة للعقاب؟
قال: هناك فرق بين الفتوى والرأي، فالفتوى فى القضايا العامة المعلنة عبر وسائل الإعلام، أما الوعاظ والأئمة والأساتذة المتخصصون فى مجالاتهم، من حقهم أن يقوموا بإبداء رأيهم فيما يعرض عليهم من فتاوى ولا يعد ذلك خروجا على القانون الجديد، وحتى يكون القانون قابلا للتطبيق فرقنا بين الرأى والفتوي.
والوسيلة الإعلامية التى تنشر أوتبث الفتوى المخالفة، لماذا لم يتم تجريمها؟!
قال: هذا كان يتطلب الدخول فى حوار واسع مع الجهات الإعلامية، الأمر الذى سيؤدى بالضرورة إلى تأخير صدور القانون، اما مسألة تجريم الوسائل الاعلامية، فهناك مشروع قانون مقدم من النائب محمد شعبان بخصوص، الابعاد الاعلامية لمعالجة ذلك فى قانون الاعلام فيما يتعلق بضوابط الظهور الاعلامي، بعيدا عن قانون الفتوي.
وإذا أخطأ من صرح له بالفتوى هل تتم معاقبته؟
نعم، من خلال الجهة التى منحته التصريح بالفتوي، والتى ستقوم بمحاسبته اداريا، وسحب تصريحه، وإذا عاد للخطأ أو أصر على موقفه تتم محاسبته عقابيا بمواد القانون التى تنص على الحبس أو الغرامة.
ماذا أعدت الوزارة من وجبة دينية للمشاهد فى رمضان؟
قال: قامت الوزارة بالعمل على عدة محاور أولها الجانب الروحي، حيث اهتمت الوزارة بمعظم المساجد وتجهيزها استعدادا للشهر الكريم، فضلا عن عقد المسابقات لاختيار الأئمة الموفدين للخارج، وكذلك القائمون بصلاة التراويح، وإعداد دليل محدد للاعتكاف بالمساجد فى رمضان يحدد ضوابط الاعتكاف وشروطه، حرصا على عدم استخدام المساجد للأغراض السياسية.
وكذلك تنظيم مصليات العيد وتحديد أئمتها، ومساجد التهجد ايضا، فضلا عن تنظيم موائد الرحمن المتعلقة ببعض المساجد، حتى لا نخرج بالمسجد عن جانبه الروحي.
كما سنعيد بعد ست سنوات ملتقى الفكر الإسلامى أمام مسجد الإمام الحسين، فى شكل ندوة يومية فى رمضان تستضيف فيها كبار العلماء والمتخصصين فى شئون الدين.
وأين نصيب الشباب من اهتمام الوزارة فى رمضان؟
هناك ملتقى الشباب، وتتم تنظيمه مع وزارة الشباب والرياضة، بنادى الجزيرة، يلتقى فيه كبار العلماء والمتخصصين مع أكبر عدد من الشباب للنقاش حول القضايا غير التقليدية، وبعض القضايا الدينية الغائبة عن جمهور الشباب، مثل ثقافة العمل وقضايا التحرش والطب الوقائي، ومعظمها قضايا متنوعة بين الدين والثقافة، وسيذاع يوميا هذا اللقاء على الفضائية المصرية فى الخامسة من مساء كل يوم.
وهناك ايضا الندوات على مستوى المساجد الكبري، والقوافل الدينية التى ستنزل المحافظات.
كما أن هناك 900 طن من السلع الغذائية سيتم توزيعها قبل رمضان على الأسر الأكثر احتياجا، وجمع صكوك الأضاحى لتوزيعها على الأسر الأكثر فقرا، كما فعلنا فى العام الماضي، حيث وزعنا أكثر من 500 طن من اللحوم على تلك الأسر، ونأمل أن تكون الصكوك أكثر من العام الفائت.
>> إلى هنا حان وقت نهاية الحوار مع الدكتور مختار جمعة الذى بدد كل علامات الاستفهام من فوق منبر الصراحة، الذى جلسنا فى رحابه طيلة زمن اللقاء.