أسامة الألفي

أتابع بقلق حملات الهجوم على الأزهر الشريف، التى لن تؤدى لغير إضعاف دوره الوسطي، وتقوية التطرف وتعزيزه بمدد لا ينقطع من جهلاء دينهم، فى ظل إشغال القائمين على أكبر مؤسسة للوسطية الإسلامية بالرد على الحملات، وإضعاف دورهم كأكبر مرجعية سنية فى العالم.

والذين يهاجمون الأزهر اليوم سواء حسنت نياتهم أو ساءت، يتجاهلون دوره فى الحفاظ على علوم الإسلام وتراثه على مر القرون، وما أقامه من حلقات العلم وأروقة لكل الأجناس والأقطار لتدرس العلوم الشرعية واللغوية وعلم الهيئة والفلك والرياضيات كالحساب والجبر والهندسة، وتخريجه نخبة العلماء من أمثال ابن خلدون والمقريزى والسيوطى وعمر مكرم وحسن العطار ومصطفى العروسى ورفاعة الطهطاوى وجمال الدين الأفغانى ومحمد عبده ومصطفى المراغى ومحمود شلتوت ومحمد متولى الشعراوي، وغيرهم. والقارئ المنصف لتاريخ الأزهر يجده يمثل موضع القلب فى جسد الأمة الإسلامية، ومنبعًا ثريًا لموجات عدة من الإصلاح وتجديد الخطاب الدعوي، بنشره الوسطية واستنهاضه روح الإصلاح فى الفكر الإسلامي.

لهذا أتساءل: لمصلحة مَنْ هذه الحملة الظالمة على الأزهر وشيخه فى ظل الظروف الصعبة التى تمر بها البلاد وتستوجب وجود مرجعية دينية قوية قادرة على التصدى للتطرف.

ولمصلحة مَنْ يلقى بعضهم تهمة زرع الإرهاب على المؤسسة الأزهرية، التى ظلت على مدى القرون تتصدى للفكر المنحرف، وتقف بشدة مع صحيح الدين.

إننا لو أردنا فعلاً القضاء على الفكر الضال فعلينا البدء بالإعلام وتطهيره من الجاهلين الدخلاء، فمنابر الإعلام صارت جاذبة لكل فكر منحرف، وكل يقدم مفهومه للدين، منتهجًا أسلوب الإثارة جذبًا للمشاهدات، حتى لقد رأينا أحدهم يستضيف شيخًا، ويسأله عن إيمانه أو عدم إيمانه بمسألة فى صميم عقيدة إخوتنا الأقباط هى مسألة الصلب؟ بينما هو يعلم علم اليقين أنه لا يوجد مسلم متدين أو مسيحى متدين يمكن أن ينكر أصلاً من أصول عقيدته، فلماذا هذا السؤال الذى يثير فتنة لا مبرر لها، فى وقت يحتاج الوطن للالتحام والاستقرار.

إعلامى آخر تصدى بجهل إلى الحديث الشريف طاعنًا فيه، ومؤكدًا أن كثيرًا منها يدعو إلى العنف ويؤجج الكراهية، داعيًا إلى نبذ الحديث، ومؤيدًا ما يذهب إليه القرآنيون.

وفى تصورى أن تنظيم الإعلام يجب أن يسبق الدعوة إلى تجديد الخطاب الدعوي، وأشدد على «الدعوي»، لأن تعبير «تجديد الخطاب الديني» خطأ، ذلك أن الأخير يشمل علوم القرآن الكريم مثل علم التفسير، وعلم أسباب النزول، وعلم إعجاز القرآن، وعلم الناسخ والمنسوخ، وعلم إعراب القرآن وعلم القراءات، وعلم عد الآيات وفواصلها، وعلم الرسم العثماني، وعلوم الدين الإسلامى من فقه وتوحيد وغيرهما، وعلوم اللغة العربية من نحو وبلاغة وسواهما، وعلوم الحديث مثل: «علم مصطلح الحديث» «علم مصطلح الحديث، حديث نبوي الأحاديث»، والآثار المروية، وأحكام الحديث الفقهية، وشرح الحديث، وفهم مدارك السنة النبوية، ومعرفة الناسخ والمنسوخ، وهى أمور جسام لا يتمكن منها سوى العلماء، بعكس الخطاب الدعوى الذى يتوجه إلى العامة. وكما قلت فالإعلام لا الأزهر هو سبب مآسينا، وعلينا أن نغلق الباب أمام مشايخ الفتنة، بعدم السماح لأحد بالصعود إلى المنابر الإعلامية الدينية بغير رخصة من الأزهر الشريف، فليس كل من يرتدى عمة وجبة أزهريًا.