رشود بن محمد الخريف

في البداية، استبشر كثير من المهتمين بشأن الشرق الأوسط بانتخاب "أوباما" طامعين بأن يترك بصمة إيجابية في الشرق الأوسط خصوصا والعالم عموما، وازداد الأمل بعد كلمته الشهيرة في جامعة القاهرة في عام 2009، ولكن ما لبث أن تبخر الأمل، وانخفض سقف الطموحات، فتحول الأمل من الرغبة في إصلاح الأحوال إلى الخشية من زيادة الفوضى والاضطرابات والحروب الطائفية، نتيجة عدم قدرته على اتخاذ قرارات حاسمة، وهو ما جعل المحللين في حيرة من أمرهم عن سر انسحاب أمريكا من التزاماتها السياسية والعسكرية في المنطقة! فقرر الانسحاب من العراق بعد أن فكك أوصاله دون مراعاة للوضع الأمني، الأمر الذي مكّن إيران من السيطرة على مفاصله، ومجالسه، وموارده، وجعل العراق يشرد ثرواته البشرية ويبدد المادية، ويعاني تصفيات طائفية وحشية، ومن المؤكد أن تدمير العراق وتفكيك مكوناته سيُسجل وصمة عار في جبين الولايات المتحدة. وقبل خمس سنوات أو أكثر بدأ الشعب السوري في المطالبة بحريته من أغلال النظام، وكاد أن ينتصر لولا مماطلة الولايات المتحدة وتباطؤها في اتخاذ قرارات حاسمة وضرورية، بل اتسمت تحركاتها بالغموض والحيرة والضعف، ومن ثم أسهمت في إطالة الحرب، وهو ما أتاح للنظام السوري إعادة ترتيب أوراقه والاستعانة بروسيا من جهة، والنظام الإيراني من جهة أخرى، في حين يعاني الجيش السوري الحر قلة السلاح، فلم ترحم الولايات المتحدة الشعب السوري، فقد أسهمت في الحد من تدفق السلاح الفعال للجيش الحر من جهة، ولم تسهم في حظر الطيران السوري لحماية المدنيين والمدن السورية من "البراميل المتفجرة" التي دمرت الحرث والنسل، وشردت الشعب السوري إلى مختلف بقاع العالم من جهة أخرى! باختصار لا يمكن تبرئة الولايات المتحدة من إطالة أمد الحرب في سورية وتدهور الأوضاع، ما ساعد على إيجاد أجواء مناسبة لدخول الجماعات الإرهابية للأراضي السورية، وإضافة مزيد من التعقيد للقضية! لذلك لم يكن دور أوباما إيجابيا للمساعدة على إحلال السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، بل كان عاملا مساعدا في زعزعة الاستقرار من خلال تلميحات إدارته باضمحلال الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الخليج العربي بالنسبة لأمريكا. ومما زاد الطين بلة عقد اتفاقيات مثيرة للغموض ولا تعزز الاستقرار، بل أطلقت يد إيران للعبث بأمن المنطقة، وزعزعة الاستقرار في اليمن ولبنان وسورية والعراق! ولا يقل عن ذلك أهمية دور الولايات المتحدة في قضية الشرق الأوسط المحورية "القضية الفلسطينية"، فمع كل رئيس أمريكي يُنتخب يكثر الحديث ويزداد التمني بأن يكون أكثر شجاعة وعدالة وحزما من سابقه في وضع النقاط على الحروف وإنصاف الشعب الفلسطيني المظلوم، ولكن يمر الزمن وتنتهي فترات الرؤساء دون إحراز تقدم يُذكر في قضية هذا الشعب، بل تزداد المسألة تعقيدا من خلال استمرار إسرائيل في التوسع الاستيطاني دون موقف حاسم من الولايات المتحدة أو المجتمع الدولي! فلا شك أن بيد أمريكا أوراقا قوية يمكن أن تسرع المفاوضات لإيجاد حلول عادلة. وعلى الرغم من الجدل حول طبيعة سياسة الرئيس الأمريكي الجديد ترمب أثناء حملته الانتخابية، فقد بدأت ملامح سياساته بعد تولي الرئاسة تبعث الأمل في إعادة المياه إلى مجاريها، وإصلاح ما أفسدت سياسات سلفه "أوباما"، وهو ما يقوي الحرب على الإرهاب ويدعم الاستقرار في الشرق الأوسط. ولا شك أن اختياره المملكة العربية السعودية محطة أولى في زيارته الأولى الخارجية، وعقد قمة عربية – إسلامية– أمريكية، دلالة على الأهمية الاستراتيجية التي تتمتع بها المملكة خصوصا، ودول الخليج العربية عموما، وذلك يعزز الأمل في حلحلة بعض قضايا المنطقة، وفي مقدمتها القضية السورية، وكذلك الحد من تمرد إيران واستمرارها في زعزعة الأمن في المنطقة العربية. وعلاوة على ذلك كله، فقد أثبتت هذه الزيارة الأهمية الاستراتيجية للمملكة والمكانة الاقتصادية والسياسية التي تحظى بها على المستويين الإقليمي والعالمي، فهي القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية الأكثر فاعلية على المستويين العربي والإسلامي، وعليها تُعقد الآمال في الحفاظ على ما تبقى في المحيط العربي وحمايته من الانزلاق إلى مزيد من الفوضى والاضطراب وعدم الاستقرار! وأخيرا، الآمال كبيرة في هذه الزيارة التاريخية لرئيس الولايات المتحدة!