سالم حميد

بعد إعلان فوز مرشح الإصلاحيين حسن روحاني بولاية ثانية، يكون الحرس الثوري الإيراني قد فشل فشلاً ذريعاً في مخططه الداخلي بإيصال المتشدد إبراهيم رئيسي، مرشح المرشد، إلى كرسي الرئاسة كإحدى خطوات إعداده لاستلام منصب المرشد بعد رحيل خامنئي، لضمان هيمنة التيار المتشدد والحرس الثوري على الأمور في البلاد، وخاصة الاقتصادية، حيث اختار الفشل بدلاً عن مغامرة تزوير الانتخابات خوفاً من اندلاع ثورة تنهي عمر النظام. وبهذه الخسارة تكون أحلام الحرس الثوري في ضمان كرسي المرشد لـ«رئيسي» بعد خامنئي قد تبددت، لأنه أصبح مرفوضاً من قبل الشعوب الإيرانية.

ورغم عدم وجود فوارق في السياسة الخارجية وممارسة الأنشطة العدائية تجاه الدول العربية بين روحاني ورئيسي، وفقدان منصب رئيس الجمهورية لصلاحيات تحديد السياسة العامة للبلاد وخاصة الخارجية، والهيمنة عليها وتحديدها من قبل المرشد والحرس الثوري، فإن فوز روحاني يعتبر عائقاً أمام طموحات التيار المتشدد، ويحافظ على أمل التغيير لدى الشارع الإيراني المتطلع للخلاص من نظام الولي الفقيه، وخاصة بعد أن أظهر روحاني نوايا وصولية تشير إلى تمرد ضمني على الحرس الثوري والمرشد.

ولفوز روحاني دلالات اعتبارية باكورتها استمرارية احتدام الصراع الداخلي الإيراني، ما ينبئ ببدء تمرد على نظام ولاية الفقيه، عبّر عنه الشارع الإيراني حين اختار روحاني بدلاً من المرشح المدعوم من خامنئي، لدرجة تسميته بمرشح المرشد والحرس الثوري، ما يعني عدم رضا الشعوب الإيرانية عن السياسة التي ينتهجها النظام وحرسه الثوري، وخاصة السياسة الخارجية للبلاد، واتساع رقعة التدخلات الإيرانية المزعزعة لأمن المنطقة، والتي قادت داخلياً إلى أزمات ومشاكل اقتصادية واجتماعية متفاقمة.

فوز روحاني سيتيح له مواصلة سياسة الانفتاح على العالم التي بدأها بالاتفاق النووي مع الدول العظمى خلال ولايته الأولى، ما يعني الاستمرار في إثارة غضب خامنئي والحرس الثوري، وخاصة بعد ما انكشفت نوايا مبطنة وغير معلنة لدى روحاني والتيار الإصلاحي، تهدف إلى تقليص صلاحية المرشد، أعلى سلطة في البلاد، وتحجيم سيطرة الحرس الثوري على الاقتصاد. وقد استعان روحاني في ذلك بانفتاحه على القوى الغربية وتحوله من متشدد إلى معتدل، ثم إلى إصلاحي يحظى بدعم خارجي وتأييد من الرأي العام الإيراني، الذي استشف منه عدم قبوله لمنهجية الولي الفقيه.

ومن الدلالات التي أظهرتها نتائج الانتخابات؛ إصرار الكثير من الناخبين المؤيدين للإصلاح في إيران على انتخاب روحاني، وإن بشكل فاتر بعد خيبة أملهم من عملية التغيير البطيئة خلال ولايته الأولى، وفشله في تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية، وعدم قدرته على وضع حد لأنشطة الحرس الثوري الداخلية والإقليمية، لكنهم كانوا حريصين كل الحرص على عدم وصول المتشدد «رئيسي» لرئاسة البلاد، باعتباره نمطاً لدولة أمنية وقمعية رسخ قواعدها عندما كان عضواً في «لجنة الموت» التي أشرفت على إعدام عشرات الآلاف من المعارضين في عام 1988، حيث كان «رئيسي» أحد أربعة قضاة أصدروا أحكام الإعدام بأولئك السجناء السياسيين.

واستمات الحرس الثوري لأجل فوز رئيسي حتى يتيح لقادته استمرارية السيطرة على السلطة السياسية والاقتصادية، بعد أن ضعفت بسبب الاتفاق النووي ورفع العقوبات الدولية، فأعلن رفضه لذلك الاتفاق، وهاجم حكومة روحاني بشدة متذرعاً باعتبار ذلك بمثابة فتح للأبواب أمام الاختراقات الغربية للبلاد، بهدف إيجاد قاعدة تغيير هدفها في النهاية إضعاف نظام ولاية الفقيه وإسقاطه.

الآن وبعد خسارة رئيسي وفوز روحاني بولاية ثانية، ستمارس أجهزة الحرس الثوري أساليب وقائية تحد من تطلعات روحاني وداعميه في عملية الانفتاح على الغرب، وقد بدأت هذه الممارسات في الدورة الأولى لروحاني حين تم الكشف عن غرف سرية أنشأها الحرس الثوري لإفشال جهود حكومة روحاني، وإجهاض مشاريعها التنموية، خوفاً من زيادة ميول المواطنين نحو روحاني، وانكسار قاعدة المتشددين الشعبية، وانهيار تكتلات خامنئي المسيطرة على زمام الأمور، غير أنه بعد انكشاف وجود نوايا لروحاني والإصلاحيين في تحجيم سيطرة المرشد وحرسه الثوري، ستشتد العمليات الاستخباراتية ضد روحاني، وتزداد الممارسات القمعية بحق النشطاء الإصلاحيين، وربما سنشهد احتداماً للصراع الداخلي في السنوات المقبلة حين تذكيه عملية اختيار مرشد جديد.