طه عبدالعليم

أعتقد- دون ريب- أن إنشاء محطة الضبعة النووية والتغلب على العقبات التى تبطئ تنفيذه سيكون أحد أهم الانجازات التاريخية للرئيس السيسى فى فترة رئاسته الأولى. وبايجاز، فان مصر بحاجة الى اضافة الطاقة النووية مع غيرها من مصادر الطاقة، ولا ينبغى تكريس تخلف مصر عن الاستخدام السلمى للطاقة النووية الذى تم وأد بداياته المبكرة قبل نحو ستين عاما، ولا ينبغى الإذعان لجماعة الضغط التى كرست تخلف وتبعية مصر بتحويل ثروة الأمة المتاحة للاستثثمار عن الانتاج الصناعى والزراعى الى البناء العقارى الاستهلاكى. وتكشف خبرة العالم تهافت ذرائع وأد الخيار النووى المصرى.

وأسجل أولا، أن مصر تحت قيادة الرئيس السيسى فى فترة رئاسته الأولى قد شهدت إسقاط أخطر ما هدد مصر على مدى تاريخها المديد والعريق، وهو حكم جماعة الإخوان وحلفائها من قوى الفاشية التكفيرية والارهابية، الذى هدد كما سجلت مرارا وجود مصر: دولة ووطنا وأمة وهوية. أضف الى هذا، ورغم ضربات مجرمة ومؤلمة وجهتها قوى الارهاب، فقد حققت مصر فى عهد السيسى انتصارات باهرة فى الحرب المريرة والممتدة مع الإرهاب خاصة فى سيناء، وهو الارهاب الذى توعدت به أصوات نكراء فى اعتصام رابعة، ولقى دعما غير محدود من قوى دولية واقليمية استهدفت تركيع الدولة الوطنية فى مصر بعد الفشل فى تفكيكها كما جرى فى دول مهمة بمحيطها العربى.

وثانيا، أنه فى سياق الصراع، ورغم حصار اقتصادى ضار فرضته القوى الدولية صاحبة مشروع التفكيك والتركيع، وأسهمت فيه دول خليجية انزلقت الى شَرَك المشروع السابق المشئوم، وضاعف آلامه تقاعس الرأسمالية المصرية عن النهوض بمسئولياتها المجتمعية والوطنية والتنموية.. رغم ما سبق وغيره، تمكنت مصر من ضخ استثمارات هائلة فى المستقبل؛ بتطوير قناة السويس استثمارا لعبقرية الموقع، ومضاعفة وتحديث قاعدة انتاج الطاقة، وانشاء شبكة طرق وكبارى وأنفاق تؤهل لتوسع عمرانى يخرج بالمصريين من خناق الوادى الضيق، والبناء الواسع لاسكان فئات اجتماعية مهمشة ووسيطة، وتنفيذ اصلاح مالى ونقدى محتوم رغم آلامه الموجعة وضبابية وعده بتسريع تنمية وتصنيع مصر.

وبين مآثر الرئيس السيسى فى صراع الإرادات جاء الانتصار على جشع لوبى المضاربة العقارية، الذى قاوم ولا يزال إنشاء محطة الضبعة النووية. وهنا أوجز ثلاث حقائق فصلتها فى مقالات سابقة.

الحقيقة الأولى، أن سياسات تنويع مصادر الطاقة فى البلدان الصناعية المتقدمة لم تسفر عن تغيير جذرى بين عامى 1973 و2012. فقد استمر نصيب الطاقة من المصادر الهيدروليكية (المائية) ثابتا، ولم يتعد نحو 2 % تقريبا، وتضاعفت حصة الوقود الحيوى والنفايات من أكثر قليلا من 2 % الى أكثر قليلا من 5 %. وأما الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وغيرها من مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة، فان حصتها لم تتعد نحو واحد ونصف فى المائة من اجمالى امدادات الطاقة المستهلكة فى العالم. وفى المقابل، تضاعف نصيب الطاقة النووية بنحو ثمانى مرات، من أكثر قليلا من 1 % الى أقل قليلا من 10 %؛ رغم كل اللغو عن تراجع الاعتماد عليها لارتفاع تكاليفها وتجنبا لمخاطرها. كما سجل تقرير وكالة الطاقة الدولية عن الطاقة فى العالم لعام 2013.

والحقيقة الثانية، أنه يوجد فى العالم 438 مفاعلا نوويا لتوليد الكهرباء تتوزع فى 32 دولة. ويجرى إنشاء 70 مفاعلا جديدا فى 15 دولة. وفى عام 2014، اعتمدت 13 دولة على الطاقة النووية فى توفير ما يزيد على 30 % من استهلاكها من الكهرباء، (وتصل النسبة الى نحو 77 % فى فرنسا). وضمت الدول الأكثر توليدا للكهرباء من الطاقة النووية الولايات المتحدة، التى يعمل بها 99 مفاعلا نوويا وتشيد خمسة مفاعلات جديدة، وفرنسا، التى يعمل بها 58 مفاعلا نوويا وتنشئ مفاعلا جديدا، واليابان التى يعمل بها 48 مفاعلا نوويا وتنشىء مفاعلين جديدين، وروسيا التى يعمل بها 34 مفاعلا نوويا وتنشئ تسعة مفاعلات جديدة، وكوريا الجنوبية التى يعمل بها 23 مفاعلا نوويا وتنشئ خمسة مفاعلات جديدة؛ وأما الصين التى يعمل بها 23 مفاعلا نوويا فانها تنشئ ستة وعشرين مفاعلا جديدا. وتنشئ دولة الإمارات- رغم ثرائها البترولى- ثلاثة مفاعلات. كما سجل تقرير لوكالة الطاقة.

والحقيقة الثالثة، وسادسا، أن استقرار القرار المصرى على اختيار العرض الروسى لإنشاء المحطة- كما أعلن الرئيس السيسى عقب توقيع الاتفاقية مع مؤسسة روس أتوم الروسية، التى تنفذ عقود بناء 30 مفاعلا نوويا فى 12 دولة- ارتكز الى دراسة متأنية ومتعمقة من كل الجهات المصرية المعنية. وستضم المحطة أربعة مفاعلات نووية من الجيل الثالث المُطور، وسيتم تنفيذها وتشغيلها وفقا لضمانات ومعايير صارمة على صعيدى البيئة والأمان النووى، وسيسدد قرض إنشاء المحطة على مدى 35 عاماً من عوائد إنتاج المحطة من الكهرباء، وسيتم تدريب العلماء والكوادر المصريين على استخدام التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية، فضلاً عن مساهمة الشركات المصرية بنسبة 20% من عملية إنشاء المحطة.

واختم بأنه رغم حدة رد فعل موسكو فى مواجهة كارثة إسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء، فان قرار توقيع الاتفاقية النووية مع مصر وإمدادها بأحدث الأسلحة، بجانب الاستثمار المباشر فى مشروعاتها للتنمية والتصنيع، يؤكد مصداقية إعلان الرئيس بوتين إبان زيارته لمصر بأن روسيا ستبقى شريكا أمينا وصديقا موثوقا به لمصر، وإن توقيع الاتفاقية لا يتعلق فقط بإنشاء محطة كهرونووية، بل استحداث قطاع نووى فى مصر. ورغم غضبة المصريين المشروعة من قرارات روسية وغير روسية أضرت باقتصادها، بدلا من دعمها فى محاربة الإرهاب، فقد أكد الرئيس السيسى بحكمة أن شعب مصر يقدر مسئولية القيادة الروسية عن تأمين مواطنيها، وأن مصر اتخذت حِزماً من الإجراءات الأمنية المشددة فى مطاراتها وموانيها، ولن تترك أى ثغرات يُمكن أن تمثل مصدراً للقلق لأى طرف. وتدفعنى ثقتى فى الرئيس السيسى لمطالبته بالكشف عن أسباب تباطؤ اقامة محطة الضبعة النووية، وسبل حسم التردد الروسى إن كان هو السبب.