فـــؤاد مطـــر 

لقي الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الرياض حفاوة لعلها الأُولى من نوعها التي يلقاها أي رئيس دولة بمَن في ذلك رؤساء الدولة الصديقة الولايات المتحدة، الذين زاروا المملكة في العقود الخمسة الماضية. وكانت ساعات اليوم الأول حافلة بالسياسة وتوقيع الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية الضخمة، من دون إغفال الملامح التراثية التي انبهر بها الرئيس الأميركي والذين معه. ثم جاءت فعاليات اليوم الثاني تسجل في تاريخ الأمة حدثيْن مكمِّليْن لجوهر لقاء قادة الدول الإسلامية مع الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة.

ومثلما أن الرئيس ترمب أراد من زيارته التي هي الأُولى له خارج الولايات المتحدة أن تكون تحية من النوع غير الوارد في «أجندة» الرئيس، فإن الملك سلمان رد على التحية بمثلها، وبأحسن منها فكان قطْع إقامته في جدة، حيث التقليد المتبَع قبل بدء شهر الصوم، والعودة إلى الرياض التي، عملاً بالتقليد المألوف يعود إليها بعد انتهاء أيام عيد الأضحى. كما أنه بالإضافة إلى الاستقبال الرسمي والشعبي كانت هناك لفتة نوعية وهي أن الملك وجَّه الدعوات إلى قادة ورؤساء دول إسلامية لكي يشاركوا إخوانهم قادة دول الخليج اللقاء والتشاور مع الرئيس الأميركي. وهكذا فإن الرئيس ترمب بدا في اليومين اللذين أمضاهما في الرياض كمَن يلتقي في البيت الأبيض بكل من هؤلاء الذين لبّوا دعوة الملك، وأتوا إلى الرياض.
حتى قيامه بتلك الزيارة التاريخية من حيث فرادة حدوثها بأمل أن تكون تاريخية من حيث نتائجها، وهذا لا يمكن أن نتلمسه قبل رصْد الرؤية السياسية الأميركية مستقبلاً إزاء أوضاع عالقة، أوحت إدارة الرئيس ترمب بأنها لن تقف مكتوفة اليديْن أمام التمدد الروسي في المنطقة، وبالتالي لا تريد أن يصيب سوريا ما أصاب العراق الذي ساعد الرئيس السلَف باراك أوباما في تسهيل وضْع اليد الإيرانية على قراره... ونكاد نقول على مصيره، وهذا حدث نتيجة سحْب للقوات الأميركية من العراق في خطوة لا تختلف من حيث المساوئ عن الفعل البوشي الذي قاد إلى أن الظروف مواتية «داعش» وسائر الثوريين المغامرين. ونرى من علامات الموقف المعاكس أن الرئيس ترمب مستبقاً القيام بالزيارة أمر بتنفيذ هجوم جوي داخل سوريا، وغرضه على الأرجح التمهيد لما هو أكثر مِن ضربة، إنما بعد الوقوف على رد الفعل الروسي الذي اقتصر على أن روسيا اعتبرت الهجوم الذي حدث «غير مقبول» لكن وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس قال: «إن الولايات المتحدة ستدافع عن قواتها عند الضرورة...».
لن يقتصر الدور الأميركي بعد الزيارة على محاربة «داعش» الذي اعتبر ماتيس أنها كتنظيم «لم يعد له ملاذ على الأرض، وبالتالي فإن دولة الخلافة تتلاشى...»، فهنالك ما هو أكثر إقلاقاً للمملكة ولدول الخليج عموماً، ونعني بذلك المشروع الإيراني الذي اتسعت مساحة تدخلاته نتيجة خمول في الموقف الأميركي، وقراءة أوبامية لهذا المشروع تبيَّن أنها كيدية بالنسبة إلى المملكة ودول الخليج. ومِن الجائز القول إن ما بعد القمم الثلاث في الرياض هو بداية انحسار بالتدرج لهذا المشروع. وعند التأمل فيما انتهت إليه الانتخابات الإيرانية، وكيف أن العمامة البيضاء انتصرت على السوداء، فإننا نجد تأثيراً نوعياً للجمع العربي - الإسلامي - الأميركي على هذه الانتخابات. ولا بد أن المواطن الإيراني الناخب رأى كيف أن الحكمة مقرونة بالحنكة المستندتيْن إلى العزْم وتبادُل المصالح، بما يحفظ لكل طرف خصوصيته ودوره ويراعي رؤاه المتنوعة، هي السبيل إلى الاستقرار فالازدهار. وعلى هذا الأساس اختار الشيخ حسن روحاني رئيساً لولاية ثانية للبلاد، ولم يتجاوب مع رغبة المرشد خامنئي والحرس الثوري في انتخاب إبراهيم رئيسي.
ترمب أرادها زيارة غير تقليدية للمملكة للتأكيد على أن صفحة العلاقات التكتيكية التي كُتبت في عهد الرئيس أوباما طُويت لتبدأ صفحة العلاقة الاستراتيجية ذات الأسس الثابتة. والملك رأى أن تكون تاريخية بحيث لا تكون للمملكة وحدها، وإنما للأمتيْن العربية والإسلامية ومن هنا جاءت صيغة توجيه الدعوات والتجاوب معها، وبذلك تم انعقاد القمة الأُولى من نوعها في تاريخ القمم، وبات المشهد مطمئناً... مشهد الرياض حاضنة منظومة الأمم المتوافقة كما نيويورك مقر منظمة الأمم المتحدة.
على نحو التعبير الشائع فإن الكرة العربية – الإسلامية الآن في ملعب الرئيس ترمب، أي بما معناه أن الخطوات المأمول منه اتخاذها، تحت المجهر... وتنفيذاً عملياً للعزم الذي عندما يوحد بين طرفيْن وعلى قاعدة التوافق يحقق كل ما هو مرجأ تنفيذه.. . .