أحمد يوسف أحمد

تعمدت أن أحذف صفة القمة (العربية الإسلامية) من العنوان لأنى وجدت أنه يعكس على هذا النحو مضمون المقال، فقد كان أداء مصر فى القمة رفيعا ولا أقصد بمصر هنا رئيسها وحده وإنما الجسد السياسى المصرى كله، رئيساً ونخبة ورأيا عاما.

ذهبت مصر إلى القمة مستندة إلى تقاليد راسخة وخبرات عميقة نجمت عن عقود من الممارسات الوطنية فى سياستها الخارجية، كشفت عن أن هذه السياسة لم تسقط يوماً فى براثن سياسات الأحلاف التى لا تنبثق من اعتبارات الأمن المصرى والعربى ، ومن الأهمية بمكان أن هذا التقليد بدأ مع حصول مصر على استقلالها وتولى حكومات وطنية مقدراتها بغض النظر عن طبيعة نظامها السياسي، فقد كانت حكومة مصر الوفدية فى العهد الملكى هى التى أسقطت مشروع قيادة الشرق الأوسط فى 1951، وكانت مصر ثورة يوليو هى رأس الحربة فى إسقاط حلف بغداد ومشروع أيزنهاور فى النصف الثانى من خمسينيات القرن الماضى ومن ثم هزيمة مخطط ربط الوطن العربى بنظام التحالفات الغربية ، وعلى الرغم من توثق العلاقات المصرية مع الاتحاد السوفيتى حيناً ومع الولايات المتحدة حيناً آخر فإن مصر لم ترهن نفسها يوماً لإرادة هذه القوة العالمية أو تلك ، وهكذا شارك رئيسها فى القمة الإسلامية ـ الأمريكية مستنداً إلى تراث عظيم من الممارسات الاستقلالية وكان هذا هو مصدر اطمئنان المصريين وثقتهم فى أن قيادتهم لا يمكن أن تلتزم إلا بأمن مصر ومحيطها العربى، ومن ناحية أخرى فإن الرئيس ذهب إلى الرياض بإنجازات لافتة فى محاربة الإرهاب وحماية الدولة المصرية من غوائله. فى هذا السياق يمكن أن نفهم الخطاب الشامل والصادق والملتزم الذى عبر به الرئيس عن وجهة النظر المصرية أمام القمة، ومن السهولة بمكان أن نبصر محاور ثلاثة لهذا الخطاب أولها يتمثل فى النظرة الشاملة للإرهاب، والثانى بمثابة عريضة اتهام للقوى الداعمة له والثالث امتداد للموقف الثابت للسياسة المصرية المدافع عن الدولة الوطنية التى يستهدفها الإرهاب فى وطننا العربى، وتمثلت النظرة الشاملة للإرهاب فى أمرين أولهما أن التصدى للإرهاب يجب أن يكون شاملاً جميع التنظيمات الإرهابية دون تمييز. وتعكس هذه الرؤية الخبرة المصرية الطويلة فى مواجهة الإرهاب والتى أتاحت بما لا يدع مجالا للشك التأكد من العلاقات العضوية بين جميع التنظيمات الإرهابية، على الأقل من منظور وحدة المنبت، كذلك تأتى هذه الرؤية فى وقت يبدو فيه بالفعل أن ثمة تسامحاً ما مع بعض الفصائل الإرهابية ربما بسبب وطأة تكلفة المواجهة أو التحسب لأضرار محتملة يمكن أن تترتب على هذه المواجهة، ومن هنا تأتى أهمية هذه الرؤية فى الظروف الراهنة التى تحتدم فيها المواجهة ويصبح الخطأ فى التشخيص قاتلا ، أما البعد الثانى للنظرة المصرية الشاملة للإرهاب فيتمثل فيما ورد بخطاب الرئيس من «أن المواجهة الشاملة للإرهاب تعنى بالضرورة مواجهة جميع أبعاد ظاهرة الإرهاب فيما يتصل بالتمويل والتسليح والدعم السياسى والأيديولوجى، فالإرهابى ليس فقط من يحمل السلاح وإنما أيضاً من يموله ويدربه ويسلحه ويوفر له الغطاء السياسي» ، ولم يفت الرئيس فى نظرته الشاملة أن يؤكد أن جهود مكافحة الإرهاب والقضاء عليه «لا يمكن أن يكتب لها النجاح وتصبح واقعاً ملموساً إلا من خلال تسوية القضية الفلسطينية من خلال حل عادل وشامل ونهائي» . 

وينقلنا هذا إلى المحور الثانى فى خطاب الرئيس وهو «عريضة الاتهام» التى تضمنها لشركاء الإرهاب، واعتبر الرئيس هؤلاء بما فيهم دول بعينها شركاء فى الإرهاب وتُضاف إليها دول تأبى أن تقدم ما لديها من معلومات وقواعد بيانات عن المقاتلين الإرهابيين الأجانب، وتنبع أهمية هذه المصارحة غير المسبوقة فى محفل رسمى على هذا المستوى من أن الكل يعرف الأجوبة لكنه لا يجرؤ على طرح الأسئلة لاعتبارات مصلحية ضيقة ، بل إن بعض من تجرأ يوماً على وضع النقاط فوق الحروف ـ كما فعلت روسيا فى فضح الممارسات التركية مع داعش ـ عاد فسكت مجدداً بعد أن اقتضت اعتبارات إدارة الحرب فى سوريا ذلك ، أما المحور الثالث فى خطاب الرئيس الذى يجدر التركيز عليه فهو ما ورد بخصوص استهداف الإرهاب الدولة الوطنية العربية لأن تفكك مؤسسات هذه الدولة وزعزعة استقرارها يوفر البيئة الحاضنة للتنظيمات الإرهابية ومن هنا تشديد الرئيس فى خطابه على ضرورة بذل كل الجهد من أجل استعادة مؤسسات الدولة الوطنية العربية وتعزيز وحدتها واستقلالها وكفاءتها ، ولكى لا يتذرع أحد بأن مؤسسات الدولة الوطنية تتسم بالاستبداد فكيف ندافع عنها؟ شدد الرئيس على تلبية تطلعات الشعوب من خلال تكريس مسيرة الإصلاح السياسى والاقتصادى والاجتماعى والوفاء بمعايير الحكم الرشيد واحترام حقوق الإنسان وترسيخ مفاهيم دولة القانون والمواطنة واحترام المرأة وتمكين الشباب ، وقد أصبح التمسك بالدولة الوطنية وما يستتبعه من رفض قاطع للتدخل فى الشئون الداخلية للدول مبدأً يثير الاحترام فى السياسة المصرية رغم ما يسببه التمسك بهذا المبدأ من متاعب حتى مع بعض الأصدقاء والحلفاء وهو لا شك مبدأ يُضفى اتساقاً بين مكونات تلك السياسة. 

وكما سبقت الإشارة فى بداية هذا المقال فإن التميز فى أداء مصر فى هذه القمة لم يكن من نصيب الرئيس وحده، وإنما كان ملمحا عاما ميز مكونات الجسد السياسى المصرى كافة، وقد لفتنى أن تميز خطاب الرئيس جعل فضائية الـ «بى بى سي» تهتم على غير العادة بالخطاب فى نشرتيها الشاملتين فى الظهيرة والمساء، فاستضافت عقولا مصرية ذات علم وخبرة، فشارك الدكتور حسن أبو طالب فى نشرة الظهيرة، والدكتور سمير غطاس فى النشرة المسائية، وكان أداؤهما متميزا وجديرا بكل احترام وتقدير وكان أجمل ما فى مساهمتيهما أنهما جمعا بين الرؤية الموضوعية التى لاتتطابق مع الرؤية الرسمية من جانب ولكنها من جانب آخر تتفق معها فى المشترك الوطنى الذى يجمع المصريين كافة، بل لقد كان هذا المشترك الوطنى واضحاً حتى لدى رجل الشارع العادى، فقد نختلف فيما بيننا على قضايا العمل الداخلى لكن الحفاظ على أمن الوطن واستقلاله وسيادته يجمع المصريين كافة قيادة ونخبة وشعبا.. فهنيئا لمصر توافق أبنائها على مصالحها العليا ولينصرها الله سبحانه وتعالى.