صلاح خاشقجي

قمة الرياض التي عقدت الأسبوع الماضي تحت شعار "العزم يجمعنا" شكلت نقطة تحول وقوة دفع على المستويات السياسية والاقتصادية كافة. 

أبرز العناوين العريضة للقمة كان حجم الاتفاقيات الاستثمارية من الجانبين التي وصلت إلى أكثر من 280 مليار دولار. أهمية هذه الاتفاقيات بالنسبة للمواطن تكمن في الوظائف المتوقع توليدها عند دخولها حيز التنفيذ. 

وقد استعدت السعودية جيدا لتفعيل هذا الجانب وتحفيزه إلى أقصى حدوده عبر إنشاء الشركة السعودية للصناعات العسكرية، التي تعمل على تعميق المحتوى المحلي للصناعة. وكذلك اشترطت على الشركات التي حصلت على تصاريح للعمل في السعودية بملكية أمريكية خالصة أن تقصر التوظيف على مستوى القيادات للسنوات الخمس الأولى على الكوادر السعودية. 

إيجاد الوظائف عبر الاتفاقيات التجارية والاستثمارية سهل ممتنع جدا. فمقدرات الاقتصاد السعودي وموارده وحجمه تتيح له أن يعقد كثيرا من هذه الصفقات الهائلة، ببساطة لأن حجم احتياجات المملكة الاستهلاكية كبير جدا. إضافة إلى ذلك فإن الاقتصاد السعودي لديه سوق وإمكانات كبيرة لترويج مختلف أنواع السلع والخدمات، سواء لدى القطاع الخاص أو الحكومي. 

وبمجرد تخفيف وتسهيل إجراءات تأسيس الأعمال وشروط الملكية، سنجد أن الاستثمارات الأجنبية بدأت في التدفق الواحد تلو الآخر، وإن اتسم التدفق بالبطء في بداية الأمر. ولكن مع الأسف، فإن كل ما سبق من استثمارات وصفقات لا يكفي لتحويل هذه المليارات إلى وظائف للمواطنين. 

بكل تأكيد ستعمل هذه الصفقات على نمو الاقتصاد ككل، وستوجد الوظائف، ولكن معظم الوظائف التي ينتجها اقتصادنا اليوم يذهب إلى اليد العاملة الوافدة المنخفضة التكلفة. لمواءمة عملية تعزيز الناتج المحلي لكل الصفقات المبرمة مع سوق العمل، فمن الضروري إعادة هيكلة مخرجات النظام التعليمي للمملكة، فضلا عن ثقافة العمل والتعليم السائدة. وهو الاتجاه الذي سنشهده في الأعوام القليلة المقبلة. 

فتخفيض نسب قبول الجامعات لخريجي المرحلة الثانوية سيعمل على رواج التعليم العالي المتخصص. وبرامج المعاهد التقنية والمهنية هي الأقرب اليوم إلى احتياجات سوق العمل، كما يمكن البدء مبكرا في غرس قيم ومهارات إدارة الأعمال منذ المرحلة الثانوية، لا أقول قيم ومهارات ريادة الأعمال، فريادة الأعمال تحتاج إلى خبرة لا تتوافر عن طريق التعليم بالتلقين، وإنما بالممارسة والعمل لدى شركات القطاع الخاص الكبيرة. 

للاستفادة القصوى من الشركات الأمريكية التي ستفتح أبوابها في المملكة فمن اللازم وضع خطة لتوجيهها بحسب نشاطها إلى المناطق الناشئة البعيدة عن مراكز المدن الرئيسة. فيمكن لكل من هذه الشركات أن تستنسخ تجربة شركة أرامكو السعودية في تنمية البيئة الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة الشرقية، وخصوصا الصناعية منها. 

ومع عملية توطين البحث العلمي المرافق للاستثمارات، التي كانت إحدى ركائز هذه الاتفاقيات، يمكن إرساء قواعد بيئة تعليمية جديدة تخدم الصناعة، وبالتالي تسهم في تأسيس صناعات مصاحبة. فيمكن أن تتركز الصناعات العسكرية في جنوب الرياض، في حين يمكن لمدينة الملك عبد الله الاقتصادية احتضان صناعات السلع المعمرة، حيث تكون أقرب للسوق الإفريقية الواعدة.