أحمد أميري

وفق التيار الرسمي الشيعي، يعدّ التقليد من أهم الواجبات على المكلَّف، إذ لا يُقبل عمله إذا لم يستند فيه إلى فتوى المرجع الديني، وهذه الأهمية البالغة لمبدأ التقليد، والذي من دونه يخرج الفرد من دائرة العبودية لله، أضفت نوعاً من القدسية على مراجع الدين، وخلقت نوعاً من الهيمنة على المقلدين.

ولم تكن هذه العلاقة الاستثنائية تصطدم مع كون المقلّد مواطناً في بلد، فهو يأخذ برأي المرجع في الصلاة، والصيام، والزواج، والطلاق، والإرث، وغيرها من أمور تتعلق بالعبادات والمعاملات.. أما حقوقه وواجباته كمواطن، فينظّمها دستور البلد الذي ينتمي إليه، والقوانين المنبثقة منه.

كانت الأمور تسير على هذا النحو إلى أن برز على السطح مجتهد يدعى الخميني، فقد عثر في الموروث الشيعي على رأي يقول إن صلاحيات المرجع الديني أوسع بكثير من مجرد الإفتاء في أنصبة الزكاة وشروط الأضحية.. فهو ينوب عن الإمام الغائب في قيادة الأمة وإدارة شؤونها وإقامة حكم الله في الأرض، وهو ما أطلق عليه مسمى «ولاية الفقيه»، والذي لم يوافقه عليه مراجع دين آخرون، يعتقدون أن حكم الله لن يقام إلا بظهور المهدي.

وباستيلاء الخميني على الحكم، أخذ نظرية «ولاية الفقيه» إلى حيز التطبيق، فادّعى أنه نائب الإمام الغائب لدى الشيعة، وله الولاية التي كانت للإمام في زمن حضوره، ولم يعد مجرد مرجع تقليد عادي، بل قائداً عاماً يملك صلاحيات لم يكن يحلم بها حتى الملوك والأباطرة، فقد امتلك دين ودنيا الإيرانيين، وتضاءل كفقيه أمام كونه القائد الأعلى، إذ كان بوسع شعبه عدم اتخاذه مرجعاً فقهياً، لكن لم يكن ذلك ممكناً من الناحية السياسية، لأنه الرجل الذي يقرر حقوقهم وواجباتهم باعتبارهم مواطنين.

أما بالنسبة للشيعة من غير الإيرانيين، فقد بقوا ينظرون للخميني كما ينظرون لغيره من مراجع الدين، واتخذه بعضهم مرجعاً للتقليد، دون الأخذ في الاعتبار أنه يرى نفسه قائداً للأمة الإسلامية بأسرها، الشيعة وغير الشيعة، الإيرانيين وغير الإيرانيين، وهو ما يعني بالضرورة أن من يقلّد الخميني (خامئني حالياً)، يعتبر نفسه قد خرج عن دائرة العبودية لله إذا لم يعتقد أنه يملك الولاية العامة، وأن الامتثال لأوامره ونواهيه سيجنّبه العذاب يوم القيامة!

وأمام التشكيك في ولاء هؤلاء لدولهم، زعموا أن الأمر يشبه أخذ المواطن السُني برأي شيخ دين من بلد آخر، متجاهلين حقيقة أن شيخ الدين هذا ليس زعيماً سياسياً، وأنه لا يملك حق اتخاذ قرار الحرب والسلم وإقامة أي حكومة على أي نحو، وأن أي شيخ دين سُني يدعي ذلك، يعد خارجاً عن القانون، وإرهابياً مطلوباً للعدالة، وأن الأمر لو كان أمر دين وإبراء ذمّة، فدونهم عشرات المراجع الآخرين الذين يمكن تقليدهم.

كانت دولة الولي الفقيه تتمدّد قبل اليوم على مستوى الفكر والوجدان، وهي الآن صاحبة الكلمة في أربع عواصم عربية، وليس من الحكمة صمت الدول العربية أكثر عن تقليد غير الإيراني للولي الفقيه، إذ المسألة ليست تقليداً في نواقض الوضوء ومبطلات الصيام، بل تبعية كاملة، حتى لم يعد لمن يقلّد الولي الفقيه هوية غير أنه من رعايا الولي الفقيه.